x

سحر الجعارة دقيقة حداداً على «الشفافية» سحر الجعارة الخميس 07-04-2016 21:10


مقتل الطالب الإيطالى «جوليو ريجينى» هو العنوان الأبرز الآن لسجل حقوق الإنسان فى مصر، قبل أن يكون عنوانا لتأزم العلاقات بين مصر وإيطاليا.

فالعثور على جثة «ريجينى» فى حفرة وعليها آثار تعذيب وضع العديد من الأجهزة القانونية والقضائية والأمنية فى قفص الاتهام، بعد أن بدت مرتبكة وتتبنى روايات «ساذجة» لتفسير الاختفاء والتعذيب والقتل الوحشى.

فكان من الطبيعى أن تبدأ المنظمات الحقوقية فى تصعيد الأمر، (خاصة أنها تواجه هجمة أمنية وقانونية تلاحق مقارها وميزانياتها)، ما جعل الضغط السياسى يتحول إلى عملية «شق للصف» الإعلامى والسياسى من نشطاء حقوقيين يعتبرون «الاختفاء القسرى» عنوانا للمرحلة! .. السؤال الذى حيّر البعض: من هو «جوليو ريجينى»؟.. وما الدور الحقيقى الذى كان يلعبه فى مصر؟

بحسب المعلن، فإنه كان يُحضّر رسالة دكتوراه فى جامعة «كمبريدج» البريطانية، تتناول دور النقابات فى عصر ما بعد «مبارك»، وبالتالى فاجتماعه بالقيادات العمالية طبيعى.. لكن هذا لا يمنع وجود دائرة شكوك وشبهات تحيط به، فجريدة La stampa الإيطالية- مثلا- تؤكد أنه كان متورطا مع المخابرات البريطانية، وربما كان لديها دافع لتصفيته!

على أرض الواقع لم تعد «الجاسوسية» قصة بوليسية شيقة، كما صورها لنا الكاتب «صالح مرسى»، تنتهى بقتل الجاسوس أو مبادلته مع «العدو».. وبعد ثورة المعلومات اتخذ التجسس أشكالا أكثر تقدما من زرع «عميل» فى بلد ما.. وحتى العملاء، بهذا المعنى الضيق، تزدحم بهم مقاهى «وسط البلد» وفضائيات «مصر المحروسة» ومنابرها النقابية والسياسية والإعلامية.

ليس أمامك إلا أن تقبل بأنه «باحث أكاديمى»، وأن تستبعد من لائحة التعذيب الوحشى فكرة «الشذوذ الجنسى» لأنه- أيضا- ليس مبرراً للقتل.. وعندما تجرد «ريجينى» من تهم الجاسوسية ستجد نفسك تعفى أى جهاز أمنى من مسؤولية التورط فى تعذيبه حتى الموت لانتفاء «الدافع».. لكن هذا لا يعفى وزارة الداخلية من توريط مصر فى أزمة دبلوماسية مع إيطاليا.

من البلاهة أن تروج لفكرة مقتل «ريجينى» فى حادث سيارة، بينما جثته بها آثار حروق وكسور وتعرض للصعق الكهربائى فى أعضائه التناسلية، لدرجة أن والدته وجدت صعوبة فى التعرف عليه! .. ومن الغباء أن تقبل تصريحات الداخلية عما سمّته (تشكيلا عصابيا تخصص فى اختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه)، كان «ريجينى» من ضحاياهم.. ثم يأتى موقع «دوت مصر» فيسجل شهادات أهالى المقتولين، لنكتشف أن السيارة التى كانوا بها تعرضت لإطلاق نيران كثيفة من الأمام، وهو ما ينفى اختراقها الكمين الأمنى، وإلا كانت الطلقات من الخلف.

وتكتشف أيضا أن ما قيل إنه «تشكيل عصابى» عبارة عن عدة أفراد لا يجيد أحدهم أى لغة أجنبية، ويسكنون أحياء فقيرة، ما يجعل التواصل بينهم وبين الأجانب بهدف اختطافهم شبه مستحيل!

أما كيف ذهبت متعلقات «ريجينى» إلى منزل أحدهم، فهذه إشكالية تحلها الداخلية التى تدعى «الشفافية».. بينما يبدو للجميع أنها لا تعلم أصلا من هو الجانى.

افترض أن ما قلته ليس صحيحا، (وهو فعلا مجرد محاولة للتفسير)، وأن نشاط «ريجينى» فى مصر كان مشبوها، وأن جهة أمنية قررت تعذيبه للحصول على معلومات حتى مات.. وهى الفرضية التى تتبناها عدة صحف إيطالية، ومنها صحيفة «آسى 24» الإيطالية التى حددت ضابطا بالاسم، طبقا لرسالة مجهولة وصلت بالبريد الإلكترونى لعدة صحف وللمحققين الإيطاليين.

هل من السهل، فى هذا التوقيت تحديداً، أن تضحى وزارة الداخلية بأحد رجالها لاحتواء الموقف وتقديمه للقضاء؟.. لا أعتقد. . لقد تجاوزت الأزمة قدرة وزارة الداخلية على تلفيق «أى تهمة لأى جثة».. وتخطت إمكانيات الخارجية المصرية فى طمأنة الجانب الإيطالى.. وحسب تصريحات وزير الخارجية الإيطالى «باولو جنتيلونى» فروما «لن تقبل بغير الحقيقة».

والحقيقة تحتاج لضغط سياسى، وتهديدات باستدعاء السفير الإيطالى من القاهرة، وإعلان مصر مقصداً غير آمن للزائرين إذا لم يصل التحقيق إلى نتيجة.

نحن- كالعادة- أمام أزمة تصنعها وزارة الداخلية التى تصر على منهج (اللى تعرف ديته اقتله)، وحالة تخبط فى تصريحات الحكومة تجعل الأزمة تتضخم وتصعد حتى تصل إلى البرلمان الأوروبى.. ثم نقف (دقيقة حداداً على مصداقيتنا).. ونصدر الملف بكل ما فيه من حماقات لرئيس الجمهورية: (حِلّها أنت)!!

هل هذه بالفعل دولة؟.. إنها «دولة حمقاء»، تعمل ضد مصلحتها ومصلحة النظام بأكمله.. الدولة الرشيدة لا تقودها الأجهزة الأمنية معصوبة العينين دون أن تفعل شيئا سوى «إنكار» أنها عمياء.

سيظل «ريجينى» دليل إدانة، أصبحت مجرد جثة مشوهة مثله تماما.. تطارد أنصارها بحثا عن قاتلها!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية