x

وليد علاء الدين الضحك من دون سبب! وليد علاء الدين الإثنين 04-04-2016 22:39


«الضحك من دون سبب قلة أدب» لطالما ردد الأهل تلك الجملة، التي لا تنم عن حكمة بقدر ما تنم عن عدم قدرة على فهم الكثير من دوافع ضحك الأبناء، ويرددها كل من فشل في فهم السبب الذي أضحك الآخرين.

في الواقع لا يوجد شىء اسمه ضحك بلا سبب؛ فكل ضحكة هي رد فعل لمسبب تفاعل بطريقة أو بأخرى مع آليات فهم شخص وفق ثقافته ومنظومة مفاهيمه وقيمه فاستدعى منه الضحك.

عادة لا يجوز لنا أن نستاء من شخص وجد فرصة مناسبة للضحك فضحك، ولكن هل يجوز لنا أن نفكر معا كيف يكون الضحك عملا عظيما؟

ننظر إلى التهريج باعتباره فعلا أو قولا يخلو من المعنى والهدف، ولا فائدة مرجوة منه سوى الضحك وتمضية الوقت، وهي النظرة التي نسحبها استسهالا على الكوميديا، وبشكل عام على كل أشكال الترفيه، وكأن الترفيه يجب أن يكون خال من الهدف والمعنى!

بعيدًا عن حقيقة أن الكوميديا هي في الأساس نوع من أنواع المسرح الجاد، الموازي للتراجيديا، والخلاف بينهما أن الكوميديا تنحو نحو التعامل بخفة وبهجة وتختار الأحداث السعيدة. بعكس التراجيديا التي تركز على الكآبة والأحداث المأساوية.

بعيدًا عن هذه الحقيقة التي لا نجد لها أصداء كبيرة في الواقع – العربي على الأقل- فإن هناك العديد من الألوان التي يمكن وصفها بالكوميديا، كلها تقريبًا ينطلق من هدف ويتخذ شكلًا للوصول إليه.

فالكوميديا الهجائية «Satire» هدفها أن «تهاجم الأفكار والعادات والأخلاقيات والمؤسسات الاجتماعية بشكل يتسم بخفة الدم أو الظرف»، وكوميديا السخرية أو التهكم (Sarcasm)، أو كوميدا الهزل (Farce) هدفها «أن تهزأ بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيه» والمحاكاة الساخرة (Burlesque) تقوم على أساس السخرية من الأعمال الفنية الأخرى الجادة فيما يشبه الكاريكاتير، وكذلك المحاكاة التهكمية (Parody). والكوميديات السوداء أو القاتمة هي أعمال تضع الجمهور في مواجهة حقائق بصورة تجعلهم محتارين بين الضحك والبكاء من أجل الانتباه والفهم. وغير ذلك من ألوان الكوميديا كل فن منها له معنى ومبنى يختلفان عن معنى ومبنى غيره من الألوان بحيث لا يجوز استخدامه في غير ما يعنيه، أو تجريده من كينونته مع الإصرار على نسبته إلى الاسم ذاته، فكأنك تصر على تسمية عمود الإنارة باسم «شجرة»!

إصرارك يخصك وهو لن يجعل من العَمْود شجرة، والخطأ هو أن تنتظر منه أن يطرح لك ذات صباح بعض حبات البرتقال!
من حق الممثل أشرف عبدالباقي أن ينشئ فرقة مسرحية تقدم اسكتشات مبنية وفقًا لمفهومه هو ومجموعته عن المسرح والكوميديا. ومن حق آخرين أن يقوموا بذلك أيضًا، كل واحد حسب وجهة نظره وقدرته على جذب التمويل المناسب.

ومن حق الناس أن يدخلوا هذه العروض وأن يستسلموا لحالة من الضحك هم في أشد الحاجة إليها.
ولكن ليس من حق دار الأوبرا المصرية أن تستضيف صاحب هذه التجربة في ندوة بالمسرح الصغير بعنوان «الفن والقدوة» وأن تسلمه درع تكريم على مجهوداته في إثراء الحركة المسرحية المصرية.

بالتأكيد، لسنا نرفض أن يحتج أحد العاملين في مجالات الترفيه الفني أو الكوميديا أو التهريج- بأن الضحك يمكن أن يكون فقط من أجل الضحك، فالضحك بلا شك يمكن أن يكون هدفا في حد ذاته، وما أجمله من هدف، أن تكون سببا في ضحك إنسان.

ولا جدال في أن القدرة على استخراج الضحكة من قلب البشر عملية غاية في التعقيد وتتطلب مهارات عالية تفوق المهارات اللازمة لدفع إنسان إلى البكاء، فالأولى تخاطب العقل أو هكذا يفترض، بينما الأخيرة تستدر المشاعر والعواطف.
من قال إن مهارة إضحاك البشر تسير وفق معادلة خطية كالتالي: كلما كانت ظروف الحياة بسيطة كانت القدرة على إضحاك الناس بسيطة، بمعنى أنها لا تتطلب خروجا عن الأدب والذوق؟

لا أعرف. ولكنها تبدو لي معادلة منصفة؛ ففي حياة بسيطة، بمعنى ذات معايير معلنة وعلاقات بين الأسباب والنتائج واضحة، يصبح العقل قادرا على التقاط الطرافة وفهم المفارقات والتكهن بالعلاقات الضمنية... وغيرها من التقنيات التي يقوم عليها الإضحاك، ولكن عندما تتعقد الحياة؛ بمعنى تغيب المعايير الحاكمة ويصعب الربط بين أسباب ونتائج الأفعال، تتعقد مهمة الإضحاك الذي يخاطب العقل ويلعب على المنطق، وتصعب مهمة المبدعين ويخلو المجال أمام تجار الضحك الذين يستسهلون التحامق والتسافل ومخاطبة الغرائز لاستدراج الضحك من قلوب البشر الذين تحت وطأة ضغوط الحياة وعدم وضوح قواعدها سرعان ما يستسلمون لتلك الجرعات المضحكة ويبحثون عنها تماما كمن يعتادون الراحة الخادعة التي توفرها لهم أقراص الترامادول.

في واحدة من زياراتي للقاهرة ركبت إلى جوار سائق تاكسي، وفور أن ارتحت في جلستي انتبهت إلى أن الرجل مستغرق في الاستماع –بهدوء راهب- إلى أغاني طرب أصيل، اندمجت معه خلال دقائق، ساعدني على ذلك درجة الصوت المضبوطة بحرفية بحيث تتسلل إلى الأذنين، لا تطرقهما، فتشعر معها كأنما الصوت يأتيك من داخلك لا من سماعات السيارة. لم أفلح في كبح جماح فضولي، وكذلك لم أرغب في تفويت فرصة تحية هذا الرجل النادر وسط سائقي المهرجانات والأغاني الشبابية، فقاطعت انسجامه مرغمًا، بتحية لذوقه الجميل في زمن ردىء.

قال الرجل محتفظًا بهدوئه: إن الحكومة هي السبب، وقبل أن أبدي دهشتي لربطه بين تردي الذوق العام وبين الحكومة أضاف: إن المطربين هذه الأيام لا يستطيعون كسب قوتهم من بيع الشرائط وتسجيل الأغنيات كما كان الأمر من قبل، لأن كل شىء الآن معروض بالمجان على الإنترنت، وليس أمامهم سوى الصالات والحفلات والأفراح والليالي الملاح، وليس أمامهم سوى المنتجين الذي يداعبون ذوق العامة أو يصنعونه وفق أمزجتهم. وعن الحل في رأيه سألته، فقال: الحل أن تتدخل الحكومة بثقلها في إنتاج فن راق بسيط يجمع بين روح العصر ومتطلبات الجمهور وتوفره بالمجان وتنشره في كل مكان ليكون منافسًا وبديلًا لهذا الإسهال.

رأيت في رأي الرجل حكمة بليغة، تشبه القول المأثور: أن تُشعل شمعة، خير من أن تلعن الظلام، فلو أن الحكومة خصصت أنصبة من ميزانيات وزارات الثقافة والشباب (لا نطالب بميزانيات جديدة) وخففت إسهال المطبوعات الورقية المتخصصة في الفن وأخبار أهل الفن التي لم يعد أحد يقرأها، وتوجهت نحو تنفيذ فكرة هذا السائق الحصيف، ورعت برامج حقيقية توفر البديل للظلام، لكان الوضع أفضل – ولو قليلًا- عنه الآن.

فهل ننتظر بديلًا مثل هذا في مجال المسرح؟
[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية