x

إبراهيم الجارحي عندما تحالفت أوروبا مع الشيطان إبراهيم الجارحي الإثنين 04-04-2016 21:28


عندما سئل رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل، عن مفاجأة تحالفه مع ستالين في الحرب قال: أتحالف مع الشيطان ضد هتلر.

والحقيقة أن مقارنة ستالين بالسمعة التي اكتسبها في هذه الفترة كواحد من أهم السفاحين في التاريخ بالشيطان كانت مقارنة ظالمة للشيطان.

ففي هذا الوقت كان جوزيف ستالين قد قتل ونفى وسجن وعذب من أبناء الشعب السوفيتي عشرات الملايين، وتسببت سياساته المجنونة في مجاعة عانى منها الجميع في بلاده، وكان الرجل الحديدي يجلس فوق هذا التل الخرب وقد أقنعت دعاياته الناس بأنه واحد من ضحايا هذا الخراب، لا سببه الرئيسي.

كان ستالين أيضا سببا رئيسيا في فتح الباب أمام هتلر للشروع في احتلال دول أوروبية أخرى بعد توقيعهما اتفاقية للدفاع المشترك، وكانت هذه الاتفاقية ضوءا أخضر له كي يبدأ في غزو بولندا، وكان غزو بولندا هو الضوء الأحمر الذي دفع بريطانيا إلى إعلان الحرب على هتلر في البداية.

لكن هتلر نقض الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي، وأطلق قوات الفيرماخت على محاور ثلاثة لغزو الاتحاد السوفيتي، المحور الأول في الشمال يحتل لينينجراد، الرمز الأيديولوجي للاتحاد السوفيتي، والمحور الثاني في الوسط يحتل موسكو، العاصمة السياسية للاتحاد، والمحور الثالث في الجنوب يحتل كييف، عاصمة أوكرانيا جمهورية القمح التي ستوفر للجيوش إمداداتها في حرب كان من المتوقع أن تكون خاطفة ككل حروب هتلر السابقة.

لكن ستالين قرر الصمود، وساهمت الظروف الجوية القاسية في تعطيل تقدم قوات الفيرماخت نحو الحسم، وكانت خطة ستالين تتلخص في إخلاء الميدان أمام قوات هتلر حتى نهر الفولجا، والصمود بالجيش والصناعات المدنية والعسكرية في العمق السوفيتي وراء جبال الأورال بعيدا عن مدى قاذفات هتلر المخيفة.

وأصبح ستالين أمل أوروبا الوحيد في البقاء، فهو شيطان حقا من ناحية، عدو مطلق للديمقراطية والرأسمالية العالمية وللإنسانية بصفة عامة، لكنه من الناحية الأخرى الرجل الذي يمكن أن يتصدى لهتلر.

وتخلت بريطانيا التي بذلت كل ما في وسعها لإجهاض الثورة البلشفية في البداية عن عدائها لهذا الكيان، وكان ساسة الحرب في بريطانيا يقولون إن حياة ستالين هي أهم أولويات بريطانيا في هذه المرحلة.

كان الجانب الأوروبي من الاتحاد السوفيتي قد أحرق تماما بفعل القوات السوفيتية نفسها، لقطع الطريق على استفادة هتلر من موارد هذا الجانب، وإجباره على الاستعانة بخطوط إمداد طويلة من ألمانيا وبولندا، مضطرة للمرور في وحول مطلع الشتاء، أو في ثلوج الشتاء الروسي القارس.

وكان ستالين يدفع بقواته غير المدربة وغير المسلحة بالملايين عبر نهر الفولجا، في محاولة يائسة لوقف تقدم القوات الألمانية التي كانت ترى قباب الكرملين على مرمى البصر، لكن مجرد بقاء هذه الجبهة مفتوحة بهدف استنزاف هتلر كان يكفي «أوروبا والعالم الحر» في هذه المرحلة.

وكانت الولايات المتحدة تشارك بصناعاتها الحربية في تسليح وتموين الجيوش السوفيتية بالطائرات والدبابات والذخيرة والغذاء، كي يبقى ستالين في الحكم وكي تتواصل معركته ضد هتلر.

وتعامت أوروبا والعالم الحر الذي تقوده عن شيطنة ستالين، وعن ملايين السوفييت الذين يقضون حتفهم كل يوم بسبب سياساته الفاشلة وجنونه الذي يتضاءل أمامه جنون هتلر الفاشي، وبسبب سياساته العسكرية التي كانت تتضمن إرسال الجنود إلى جبهة ستالينجراد كل ثلاثة ببندقية واحدة وتسع طلقات.

كما تعامى العالم الحر عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الأحمر في طريقه إلى فتح برلين من قتل واغتصاب ونهب، فمبادئ العالم الحر كلها تهون أمام هدف القضاء على هتلر ومشروعه التوسعي الرهيب.

وتثبت هذه الحلقة من التاريخ أن المصلحة هي المحرك الأول، وجدار الولاء الأخير، لهذا العالم الحر، ومخطئ من يظن أن هذا العالم الحر بعيد عن مصالحه فيما يتعلق بسياساته في الشرق الأوسط في وقتنا الحاضر، ومخطئ أيضا من يفسر سياسات أوروبا وأمريكا في الشرق الأوسط بنظرية المؤامرة العالمية، فالتفسير الأكثر عقلاينة هو أننا نواجه قوى تصدح بالمبادئ فقط عندما تخدم هذه المبادئ مصلحتها التي ستحققها بأي طريقة متاحة، ولو تحالفت مع الشيطان نفسه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية