x

إبراهيم الجارحي كيف فعلها السيسي مع الين الياباني؟ إبراهيم الجارحي الإثنين 14-03-2016 21:12


ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه المصري خلال السنوات الخمس الأخيرة في السوق الموازية بنسبة تقارب الخمسين في المئة، واعتبر المحللون – خاصة الهواة منهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي برامج التوك شو – أن الموجة الأخيرة من ارتفاع الدولار أمام الجنيه مؤشر صريح على انهيار الاقتصاد المصري، وهذا المقال يهدف بشكل حصري إلى إثبات العكس.

ليس هدفي بالتأكيد أن أثبت أن الاقتصاد المصري في أفضل حالاته، بل على العكس من ذلك، فهو اقتصاد متأزم يدار بعقلية الطوارئ ومعالجة الأزمات، وهو يتلقى كل يوم ضربة نوعية جديدة تزيده ضعفا، سواء من تراجع التجارة العالمية التي هبطت بعائدات قناة السويس، أو بتراجع عائدات السياحة لأسباب أمنية وسياسية، أو لاهتزاز صورة مصر أمام المؤسسات المالية الدولية التي تديرها دول، أي في النهاية مؤسسات سياسية، تتطلب أن تكون آليات إدارة مصر على شاكلة محددة.

لكن النظر إلى سعر الدولار أمام عملات دول أخرى لم تشهد ما شهدته مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة من اضطرابات سياسية وأمنية داخلية وخارجية يشير إلى أن نمط انخفاض الجنيه أمام الدولار ليس أمرا مرتبطا بالضرورة بأداء الاقتصاد المصري، حيث ارتفع الدولار أمام الروبل الروسي بنسبة تزيد على مئة وستين في المئة في الفترة ذاتها، في وقت تشير فيه المؤشرات العالمية إلى احتفاظ الاقتصاد الروسي بمعدلات نموه الطبيعية.

كما ارتفع الدولار أمام الليرة التركية في الفترة ذاتها بنسبة تقارب التسعين في المئة، رغم قوة الاقتصاد التركي واستقرار تركيا النسبي إذا ما قورنت بمصر التي شهدت في السنوات الخمس ثورتين واضطرابات سياسية واقتصادية ضخمة.

حتى في الهند، وهي واحدة من الاقتصاديات العالمية الصاعدة بقوة، قفز الدولار أمام الروبية الهندية بنسبة تفوق الخمسين في المئة، وهذا هو الحال في دول كثيرة من بينها منطقة اليورو بجلالة قدرها والبرازيل واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا التي تضاعف فيها سعر الدولار في خمس سنوات.

كيف يعقل أن تناقش مسألة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه بمعزل عن الموقف العالمي للدولار نفسه، اللهم إلا إذا كان الهدف من مناقشتها، سواء في الإعلام العام أو على المصاطب الإلكترونية، هو تسييس أي تغير أو تحول لحساب قضية أو وجهة نظر سياسية أو فكرية لا علاقة لها بالاقتصاد.

صحيح أن الدول التي ذكرتها كلها من باب المقارنة دول مصدرة، وهو ما يعني أحيانا أن انخفاض سعر عملتها في مقابل الدولار يحسن من موقفها كدول مصدرة، حتى وإن لم يكن ميزان مدفوعاتها إيجابيا لصالحها، كما هو الحال في كندا وتركيا وجنوب أفريقيا مثلا.

وأقول «أحيانا» لأن هذه النظرية لم تعد فاعلة في ظل انتهاء احتكارات الدول لبعض السلع، وفي ظل صعود التنافسية في الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة تحول دون اهتزاز العملات المحلية أمام العملات القوية بسبب سلع وبضائع أصبح لها بدائل عديدة.

وكيف يعقل أيضا أن يناقش موقف الاقتصاد المصري بمعزل عن التباطؤ في الاقتصاد العالمي الذي يعاني ركودا بسبب انخفاض الطلب العالمي وتصاعد التنافسية؟

نحن نعيش في عالم يعتمد اقتصاده بشكل كبير على الديون والائتمانات، وهو ما جعله عرضة لاضطرابات عنيفة يرتبط بعضها ببعض ويجر بعضها البعض، كتأثر العالم بأزمة الائتمان التي ضربت الولايات المتحدة عام 2008.

ويمر العالم في الوقت الحالي بحالة غير مفهومة من التقلبات في الأسواق المالية وفي أسعار النفط بسبب التباطؤ الذي يشبه كسادا عالميا جديدا، وهو كساد لم يفلح معه ما اتخذته دول كبرى من إجراءات مثل خفض الفائدة على العملة، ومصر ببساطة جزء من هذا العالم المتقلب ويجري عليها ما يجري عليه.

لا يمكن أن يتحول كل شأن إلى شأن سياسي خاضع للهوى ولو كان أمرا موضوعيا كالاقتصاد وسعر الصرف، وإلا فهل يمكن أن نعزو انخفاض سعر صرف الين الياباني أمام الدولار هذا العام إلى سوء الإدارة الاقتصادية للرئيس السيسي وقراره بحفر قناة السويس الجديدة؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية