x

عبد الناصر سلامة بين الشفافية والاستهبال عبد الناصر سلامة الأحد 03-04-2016 21:16


حينما يؤكد مسؤول كبير أن سعر الدولار سوف يهوى إلى أربعة جنيهات، فهو يرى أننا شعبٌ أهبل، وحينما يؤكد آخر أن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية لن يؤثر على أسعار السلع الأساسية، فهو يرى أننا شعبٌ عبيط، وحينما يؤكد آخر ارتفاع عائدات قناة السويس، فهو يرى أننا شعبٌ أحمق، وحينما يرى أحدهم أن نسبة النمو في مصر هي الأعلى في العالم، فهو يرانا شعبا مغفلا، وحينما يرى البعض أن الأوضاع الآن أفضل مما كانت عليه قبل 25 يناير 2011، فهم إذن مغيَّبون، يستحقون ما هُم فيه، وحينما يتحدث هذا أو ذاك وفى ضوء كل هذه الملابسات بأن مصر سوف تصبح «قد الدنيا»، فلا تعليق.

المفترض أن أي نتائج تقوم على معطيات، ما هو أمامنا من معطيات واضح لا خلاف عليه، مصادر العملة الصعبة تراجعت جميعها بلا استثناء، تحويلات المصريين في الخارج، كما السياحة، كما قناة السويس، كما الاستثمارات الخارجية، فيما يتعلق بالداخل أيضاً تراجع رجال الأعمال عن نشاطهم بنسبة 50%‏ على الأقل لأسباب معلومة، أهمها التوجس والخوف، أيضاً تراجع الإنتاج بعد إغلاق آلاف المصانع، ما هو قائم منها بالفعل لا يعمل بكامل طاقته لأسباب يعلمها الخاصة.

هذه النقطة تحديداً كان من المهم توضيحها للعامة من خلال المسؤولين، وهى أن حجم ما يرد إلى البلاد من غاز قد لا يفى أبداً بتشغيل المصانع والمنازل في آن واحد طوال الوقت، ولأن الدولة قد منحت الأولوية للمنازل لأسباب تتعلق بالرضا العام، والسخط العام، والشو الإعلامى، فكان من الطبيعى أن تُضاء طوال الوقت، ولا يتوقف عمل الأجهزة المنزلية طوال الوقت، على حساب الكثير من المصانع المنتِجة، بل على حساب أكبر المصانع، وتكفى الإشارة هنا إلى أنه في عام 2015 نجد أن عجلة الإنتاج بأحد المصانع مثلاً قد دارت دورتها 121 يوماً فقط في السنة، من مجموع 365 يوماً، نتيجة نقص الوقود، إلا أن الشوارع كانت مضاءة طوال الوقت، والناس أيضاً سعداء طوال الوقت.

بمعنى آخر، مصر تستورد 500 مليون قدم مكعب غاز كل شهر، الشحنة الواحدة من 80 إلى 120 مليون قدم، تكلفة الشحنة من 20 إلى 25 مليون دولار، المراكب تأتى إلى العين السخنة تحديداً، هناك وحدتان لتحويل الغاز من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية، إحداهما بها صيانة منذ عشرة أيام، توقفت خلالها على سبيل المثال كل مصانع السماد في بر مصر، بخلاف المصانع الأخرى، على اعتبار أن ناتج الوحدة الثانية يذهب إلى محطات الكهرباء بالدرجة الأولى، مع العلم أن عملية استيراد الغاز هذه مستمرة على الأقل خمس سنوات مقبلة، حيث هبوط الإنتاج المصرى الآن من 6200 مليون قدم مكعب إلى 3600 مليون.

على مدى العامين الماضيين أيها السادة، كان الشو الإعلامى، وكسب ود الجماهير، هما الأساس في ممارسات المسؤولين وتصريحاتهم، على حساب الإنتاج الحقيقى، وعلى حساب المستقبل، بفلسفة «احيينى النهارده، وموِّتنى بكرة»، بالتأكيد ليست سياسة دولة تنشد الاستقرار على المدى الطويل، ليست سياسة دول أساساً.

لم نتوقف أمام أي مشروع إنتاجى من أي نوع يدر أموالاً أو أرباحاً حقيقية على الدولة أو على المواطنين، لم نتوقف أمام أي مشروع من شأنه تعويض ذلك التراجع العام في مداخيل العملة الصعبة، لم تفاجئنا الدولة بمشروع قومى حقيقى ينال احترام الداخل والخارج بحسابات الورقة والقلم، هي مشروعات في مجملها كمشروعات الخليجيين في مصر، المولات، والسوبر ماركت، والهايبر ماركت، والفِلل، والكومباوندات، بالتالى قفزنا على كل ذلك على المستوى الرسمى بما هو أكثر دراما: العاصمة الإدارية.

الأكثر من ذلك أن الاحتياطى النقدى أوشك على النفاد، الإعانات الخارجية في خبر كان، الله وحده، ومَن تسلموها بالطبع، هم فقط الذين يعلمون أين ذهبت، الدَّيْن الداخلى ارتفع إلى ما يقارب 2.5 تريليون جنيه، الخارجى إلى نحو 50 مليار دولار، العجز في الموازنة العامة للدولة بلغ 309 مليارات جنيه، بنسبة 9.8%‏، معدل البطالة 12.9%‏، رغم ذلك فإن الدولة تتطلع إلى استثمارات تصل إلى 531 مليار جنيه خلال 2017/2016، منها 292 ملياراً من القطاع الخاص.

إذن، نحن أمام قضية خطيرة، وهى عدم مصارحة الشعب بالواقع المؤلم، عدم وضوح الرؤية لشعب يجب أن يكون مشاركاً طوال الوقت في صناعة القرار، بالتالى كان يجب أن يكون على علم بحقيقة الأوضاع، حتى لا يفاجأ ذات يوم بكارثة من أي نوع، انهيار عملته المحلية أكثر من ذلك، انهيار اقتصاد بلاده، إحجام المستثمرين بالداخل والخارج نتيجة تردى الأوضاع، هجمة على البنوك لسحب الودائع والمدخرات، الشائعات هنا سوف يكون لها النصيب الأكبر من الرواج، نتيجة عدم الشفافية من البداية.

ففى الوقت الذي تصدر فيه مثل تلك التصريحات الغريبة، يعيش الناس بالتوازى واقعاً مؤلمًا طوال الوقت، مع ارتفاع الأسعار، مع البطالة، مع التضخم، مع الجريمة، مع انهيار العملة، مع ارتفاع أرقام الديون، مع مواقف خارجية شبه عدائية، وهو ما لا يمكن استمرار القبول به، مما كان يتطلب إعادة النظر في هذه السياسات، التي تعود بنا إلى الحقبة الشيوعية، التي لا تقبل الجدل، ولا حتى النقد، بل ولا النصيحة، في ظل تعتيم رسمى وإعلامى على الحقيقة، استيقظت معه الشعوب حينذاك على انفجار حاد، لم تُفلح معه كل أدوات القمع المشهود لها محلياً ودولياً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية