x

عبد الناصر سلامة العشوائيات أولاً عبد الناصر سلامة السبت 02-04-2016 21:34


أُصبت بعدة صدمات عنيفة خلال الوقوف على بيانات قضية واحدة تمس صميم الأمن القومى، الأولى حينما علمت أن عدد المناطق العشوائية فى مصر، طبقاً للأرقام الرسمية، يصل إلى ١٢٠٠ منطقة، الصدمة الأخرى حينما نعلم أن هذه المناطق تضم ثلث سكان مصر، أى نحو ٣٠ مليون مواطن، الصدمة الثالثة حينما نعلم أن النسبة الأكبر من الجريمة «٨٥٪‏» هى نتاج تلك المناطق أو هذه النسبة من السكان، الصدمة الرابعة حينما نعلم أن النسبة الأعظم من الجرائم والسلوكيات اللاأخلاقية هى من إفرازات تلك المناطق، السرقة بالإكراه، السطو المسلح، سرقات السيارات، الخطف، الاغتصاب، الإدمان، تجارة المخدرات، تجارة السلاح، الشذوذ، زنا المحارم، وغيرها كثير.

الغريب أننا نسمع طوال الوقت تعبير العشوائيات، طوال الوقت نسمع تعبير تنمية المناطق العشوائية، خرجت القضية من اختصاص المحافظات والمحافظين إلى اختصاص أكثر دقة، وهو ما يعرف باسم صندوق تطوير العشوائيات، قد تكون الصدمة كبيرة حينما نعلم أنه تم تطوير ٤٣ منطقة فقط، من خلال الصندوق، منذ عام ٢٠٠٨، بالطبع الخطة تراجعت منذ عام ٢٠١١، لا الإمكانيات المادية أصبحت تسمح، ولا الظروف الأمنية، ولا الاقتصادية، القضية أصبحت فى طَى النسيان، بعد أن كانت العشوائيات قد انتقلت إلى أرقى المناطق والشوارع بالعاصمة والمدن المختلفة.

الأكثر غرابة وصدمة، فى الوقت نفسه، حينما نعلم أن المناطق العشوائية فى تزايد، وليس العكس، الفقير ازداد فقراً خلال السنوات الخمس الماضية، كما الهجرة من القرية أيضاً، أو بتعبير أدق الهجرة إلى مناطق الفقر، كما تزايد تعداد السكان فى هذه المناطق التى أفرزت أخرى مجاورة، أو حتى غير مجاورة، فى الوقت الذى انتشرت فيه عشوائيات جديدة مع سنوات الانفلات على كل الأصعدة.

سياسة الأمر الواقع فرضت نفسها، عمارات اليوم الواحد دون رقابة، كما شوارع وحوارى وأزقة دون تراخيص، كما غياب التخطيط العمرانى وكردونات المبانى بالمدن والقرى على السواء، الدراسات الأمنية أوصت فى معظمها بوقف الإزالات، القرارات المحلية نصحت بتوصيل المرافق، الحالة أصبحت سداح مداح بالقانون واللوائح وموافقات وتأشيرات المسؤولين.

السؤال الآن هو: ماذا فعلنا وماذا يمكن أن نفعل؟ نسمع عن مساكن لمحدودى الدخل، أو لسكان العشوائيات بأسعار غريبة، تصل أحياناً إلى أربعمائة ألف جنيه، نسمع عن إيجارات تصل إلى ألف جنيه، بالتأكيد المقصود هنا بشر آخرون، ليسوا هؤلاء أبداً الذين يبحث معظمهم عن بقايا فتات فى القمامة، ليسوا هؤلاء عمال اليومية، أو الباعة الجائلون، ليسوا هؤلاء أصحاب عبارة «عشانا عليك يارب» ليسوا هؤلاء الذين يبيعون أعضاءهم، أو الذين يبيعون أطفالهم.

الغريب أن الأراضى التى تقام عليها هذه المساكن هى من أملاك الدولة، أى بالمجان، الغريب أن هناك من الصناديق ما يمكن أن يتكفل بعمليات البناء والتشييد، الغريب ألا أحد يدرك حتى الآن أن حل هذه المشكلة المزمنة ليس مجرد حل لأزمة سكان أو إسكان، هو حل لأزمات عديدة قانونية وأخلاقية وإنسانية، هى بمثابة انتقال بالمجتمع ككل، من مجتمع متخلف إلى مجتمع متحضر، من مجتمع الجريمة إلى مجتمع القانون، من مجتمع الفقر والجهل إلى مجتمع التنمية والتعلم.

مجتمع العشوائيات فى مصر أيها السادة، كما الحكم المحلى بصفة عامة، فى حاجة إلى خيال جديد، فى حاجة إلى إبداع، فى حاجة إلى أفكار غير تقليدية، من خارج منظومة التخلف التى نشأت عليها الإدارة المحلية، الدولة مسؤولة عن كل هؤلاء الناس، مليوناً كانوا، أو عشرة، أو ثلاثين، مسؤولة عن تسكينهم، كما تعليمهم، كما منظومة صحية ترعاهم، كما منظومة إعاشية، حتى يصبح المنحرف منهم مواطناً صالحاً، حتى يصبح الساخط منهم قوة منتجة.

لنكن أكثر صراحة ووضوحاً، بل وأكثر شجاعة، حينما نعترف ونؤكد أن تطوير المناطق العشوائية فى مصر، والنهوض بأهلها، أهم وأجدى مليون ألف مرّة من بناء عاصمة جديدة، أو مدينة جديدة، أو حتى تفريعة جديدة بقناة السويس، إنقاذ ٣٠ مليون مواطن أهم وأجدى مليون ألف مرة من بناء مفاعل نووى، أو التبرع لتنمية أفريقيا، أو الإنفاق على سجاد أحمر ومظاهر ما أنزل الله بها من سلطان، ولو أن هذه الأزمة ظلت تسير بنفس الوتيرة أو المعدلات السابقة فسوف تتفاقم، سوف نستيقظ بصفة يومية على مزيد من الصدمات، الأمر يحتاج بالدرجة الأولى إلى ثقافات جديدة فى التعامل معها، حتى لو اضطررنا لنقلها من البرازيل، على سبيل المثال، التى أنجزت أيما إنجاز فى هذا المجال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية