x

علاء الغطريفي الإعلام.. هل يُحيى ويُميت..؟! علاء الغطريفي الأحد 03-04-2016 21:20


بعد انتخاب «وودرو ويسلون» رئيساً للولايات المتحدة لمرة ثانية عام 1916 كان عليه أن يقنع الأمريكيين بأن يدخلوا الحرب العالمية الأولى، فلم يكونوا وقتها مهتمين بالانخراط فى حرب هى أوروبية بالأساس، ولهذا الغرض أنشئت «لجنة كريل» للتأثير على جموع المواطنين لتأييد القرار، ونجحت اللجنة خلال ستة أشهر فى أن تدفع المواطنين الأمريكيين المسالمين إلى أن يكونوا مواطنين تتملكهم الهستيريا والتعطش للحرب، والرغبة فى تدمير كل ما هو ألمانى، وخوض حرب وإنقاذ العالم، وصار العمل هو أول عملية دعائية حكومية فى التاريخ الحديث كما يذكر تشومسكى فى كتابه «السيطرة على الإعلام».

الولايات المتحدة عبر تاريخها استخدمت هذا التكتيك وتلك الطريقة لإنجاز مصالحها عبر الحرب، وتصوير تدخلاتها فى العالم بأنها فى صالح الإنسانية، وضد الظلم، وما إلى ذلك من الشعارات، وأصابت كثيراً فى الأهداف التى وضعتها، لكن لا يمكن بحال أن نُرجع الأمر برمته إلى الإعلام أو الدعاية، إن صح التعبير، فهناك عوامل أخرى تتداخل لتصنع أحداث التاريخ، قد يكون من بينها الحمقى والسُّذَّج ومنعدمو الرؤية والمتطرفون، ودون إطالة ودون إبحار أكثر إلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلنطى نعود إلى الخارطة المصرية التى يلزمها استرجاع لتواريخ مضت لنقرأ تأثيرات مثل هذه الدعايات التى أصابت حيناً ولكنها أخفقت أحياناً وندفع ثمنها حتى اليوم، «نكسة 67» خير مثال، فهذا القائد الذى لا يُهزم انهزم وانكسر وكسر معه مستقبل أجيال لاحقة تلاحقها الهزيمة رغم انتصار 6 أكتوبر، فالنصر لاستعادة الأرض لم يلازمه نصر لاستعادة روح، ومازالت هذه الروح تعانى جرّاء العناد وانعدام الموهبة والأحادية...!

الإعلام لن يُحيى أو يُميت فى 2016 وما بعدها، حتى إن رفعت فى وجهى ملامح تأثيره الهائل على المسار المصرى خلال الـ5 سنوات الماضية، فالمنابر التقليدية التى شكَّلت وعياً وهيَّأت أجواء لفكرة التغيير، ومن ثم إزاحة نظامين أو ما شابه لم تعد كما كانت، تضاءل تأثيرها أمام قوة الإعلام البديل الذى شارك منذ يناير فى تشكيل الوعى العام لكنه لم يكن بالقوة التى يستند إليها حالياً، بسبب ظروف خلقتها فضائيات المنشور السياسى ومنابر النفاق المسائى والتراجع المهنى وإيثار السلامة لأغلب وسائل الإعلام المطبوع..!

إذن، نحن أمام حالة جديدة فى الإعلام، لم يعد الأسلوب القديم صالحاً للتعامل معها، حتى إن أُطلقت فضائيات من داخل الدولة أو ضُخَّت أموال فى قديم ليصبح جديداً يناسب الرغبة الملحة فى تحويل الاتجاه إلى الاهتمام بالتسلية على حساب المضامين السياسية أو التمهيد لإزاحة فضائيات انتهى بيان مهمتها..!

ما يعتقده البعض فى أن الإعلام يخلق ما يشاء من دون الله ليس إلا هراء يجاوز الواقع ويماثل الهروب من حقيقة أن الشمس تأتينا من الشرق، فالناس عند هؤلاء كأنها بين يدى الإعلام- الوصف للدكتور مصطفى حجازى- يقلبها كما شاء وكيفما شاء، الأمر ليس كذلك، فهذا الإعلام الذى يؤمنون بأنه كذلك لم يستطع أن يصنع شيئاً فى قضية مثل «ريجينى» مع عموم المصريين أنفسهم، ولم يفلح فى أن يأتى بسياح بعد حادث الطائرة الروسية، ولا يملك أن يجعلنا نقتنع بأن الجنيه مازال قوياً أمام الدولار، ولا يمتلك عصا موسى ليرى الناس أحوالهم كأنهم يعيشون فى إحدى الدول الاسكندنافية، بل بالعكس، فهذا الإعلام أضاف إلى تلك الأزمات بل عظَّم بعضها بسبب أدائه أو بسبب استخدامه بطريقة ساذجة نالت كثيراً من سمعة هذه البلاد..!

لا يريدون للإعلام أن يكون مرآة للسياسة، بل يريدونه مرايا لأشياء أخرى فى إطار المبدأ التاريخى للسيطرة «دعونا نفكر عنكم ولكم واتركوا لنا تسليتكم والترويح عنكم»، المسعى الرسمى لم يخالف أى توقع، فبعد ثورتين كان يقيناً أن الإعلام هدف، أما الغائب عن ذلك التصور فهو مثل الذى قرر أن يلعب كرة القدم فى القرن الحادى والعشرين بحذاء مصنوع من 50 عاماً أو بـ«كاوتش باتا»..!

الكتلة الحية فى المجتمع لا تستسلم للقديم أو «الجديد القديم» أو حتى «إعلام الأشبال»، ويتشكل وعيها يوماً بعد يوم فى صالح كراهية الجمود وكسر الأنماط لأنها رأت النور من قبل، تلك الكتلة تتسع ولديها قدر من التأييد الصامت بسبب المأزق الحالى وسيزداد التأييد قطعاً مع الأيام، الرهانات القديمة لن تدوم، خارطة الإعلام الجديدة المرسومة فى الدواوين لن تجدى طويلاً، فالنتيجة لن تختلف كثيراً عن الحالى، فللصناعة أصول، أولها مهنة وقدرات حتى إن كنت منحازاً، ولنا فى الفضائيات الإخبارية العربية حياة..!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية