x

سمير فريد «ملكة الصحراء» فى مصر سمير فريد السبت 02-04-2016 21:34


كان من المثير للأسى والذعر معاً أن يكون فيلم «جودار» الذى عرض فى مهرجان القاهرة 2014، أول فيلم للفنان الذى لم تصبح السينما معه كما كانت قبله، أول فيلم يعرض له فى مهرجان القاهرة، وربما فى كل مهرجانات السينما الدولية فى العالم العربى، ولا حتى فيلمه عن قضية فلسطين عام 1971.

ومن المثير للأسى والفرح فى آن واحد أيضاً، أن يتاح لجمهور السينما فى مصر الآن مشاهدة فيلم المخرج الألمانى، ورنر هيرزوج «ملكة الصحراء»، أحدث أفلام أحد عظماء السينما فى العالم، وأن يكون أول فيلم يعرض له فى مصر رغم أنه أخرج أول أفلامه عام 1967، ويعرض الفيلم ليس لأن مخرجه هيرزوج، وإنما لأن ممثلة الدور الأول نيكول كيدمان، ولأنه فيلم أمريكى.

مثل أورسون ويلز، وعدد قليل من مخرجى السينما، يعتبر هيرزوج العالم كله مسرحاً لأفلامه، ويتحرك بين الروائى والتسجيلى وبين أطوال الأفلام بسهولة، فقد صور فى ألمانيا والسودان واليونان والمكسيك وبيرو وتشيكوسلوفاكيا وهولندا وأستراليا والكويت والولايات المتحدة، وصور «ملكة الصحراء» فى المغرب والأردن.

ومثل كل فنان كبير، يعبر هيرزوج فى أفلامه عن عالم خاص بأسلوب متميز يستوعب كل مدارس السينما من التعبيرية الألمانية إلى الموجة الجديدة الفرنسية، ويقوم هذا العالم على سبر الأبعاد الإنسانية المركبة من خلال شخصيات درامية غير عادية، ونزع القداسة عن التاريخ الرسمى للحضارة الغربية، والتعبير عن العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الفرد والآخرين، ومن شخصياته الدرامية غير العادية «أجويرا» 1972، و«كاسبار هاوزر» 1974، و«فيتز جيرالدو» 1981، ولم يكن من الغريب لمن صنع هذه الأفلام أن يعبر عن حياة جيرترود بيل (1868 - 1926) فى فيلمه «ملكة الصحراء»، بل كان الغريب ألا يصنع فيلماً عنها.

المعروف فى التاريخ أن جيرترود بيل، وهى سليلة الأرستقراطية الإنجليزية التى حكمت العالم قروناً، كانت من أولى النساء اللواتى درسن فى جامعة أكسفورد، حيث درست الأدب والشعر، ولكنها تمردت على طبقتها وعلى الحياة الرغدة، وقررت الذهاب إلى الشرق، إلى إيران ثم إلى بلاد العرب، والحياة فى الصحراء، وتوفيت فى بغداد، وعلى صعيد الحياة الخاصة تبادلت جيرترود الحب مع سكرتير السفارة البريطانية فى طهران، ولكنه قتل فى حادث، ثم كانت لها قصة حب أخرى مع ضابط إنجليزى متزوج فى سفارة دمشق لقى مصرعه فى الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، وتركت جيرترود عدة كتب أدبية وتاريخية عن حياتها فى الصحراء.

يعبر هيرزوج عن ثقافة العرب باحترام كبير فى كل التفاصيل، من ثقافة الدروز فى الجبال، إلى ثقافة البدو فى عمق الصحراء، وحتى نظام «الحريم» حيث ترفض جيرترود أن تكون من «حريم» الشيخ، ولكن من دون أدنى قدر من التعالى، وعندما يسألها ضابط المخابرات الإنجليزية وهو فى غاية الدهشة «لماذا البدو.. لماذا الصحراء؟»، ترد «إنهم يعشقون الحرية ويعتزون بكرامتهم، إنهم يعيشون الحياة كشعر».

ويشير الفيلم إلى حرب القبائل فى شبه الجزيرة العربية، خاصة بين ابن رشيد وابن سعود، وكيف ناصرت بريطانيا الثانى، ولكن من دون أن نرى هذه الحرب والدخول فى التفاصيل السياسية، وينتهى الفيلم فى القاهرة فى يوليو عام 1915، حيث يجتمع العرب مع الإنجليز، ونراهم يلتقطون الصور تحت سفح الأهرامات، ويرددون قول بونابرت «أربعة آلاف عام من الحضارة تطل علينا»، ولكن المشهد الذى صور فى المغرب مع الأسف، وليس فى المكان الحقيقى حيث لاتزال الأهرامات قائمة، به أقبح ديكور على الإطلاق لتمثال أبوالهول.

التصوير الذى قام به بيتر زيتلينجر جاء مدهشاً فى التعبير عن الصحراء، وكذلك موسيقى كلاوس باديلت، الذى استخدم العود والناى ببراعة وجمال، وتقدم نيكول كيدمان فى دور جيرترود أحد أهم أدوارها، ولكن الفيلم إجمالاً لا يصل إلى مرتبة «التحفة» التى كانت منتظرة من هيرزوج، ربما لعدم مقاومة شروط هوليوود التجارية بما فيه الكفاية، ولكنه يظل من أهم أفلام العالم عام 2015.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية