غطى حادث اختطاف الطائرة على قرار عزل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، فلم يلتفت إليه أحد، ولو أن حادث الطائرة لم يفاجئ الناس، لدار حول قرار العزل كلام كثير!
وحين جاءنى خبر عزل الرجل، على الموبايل، فى الحادية عشرة مساءً، تساءلت بصدق، عن وجه الاستعجال فى إصدار القرار ليلاً هكذا، ثم منذ متى تخرج القرارات عن رئيس الدولة من بيته، وليس من مكتبه؟!.. وتذكرت واقعة ضبط الوزير صلاح هلال فى ميدان التحرير، وكيف أنها كانت ولاتزال مثار دهشة، وتساؤل، وحيرة معاً!.
وعندما قرأت أن المستشار هشام بدوى، الذى جرى تعيينه قائماً بأعمال رئيس «المحاسبات»، إلى حين تعيين رئيس جديد للجهاز، قد توجه إلى مكتبه فى الثانية صباحاً، أضيف عندى تساؤل حائر آخر إلى التساؤل السابق، وقلت فى نفسى، كما لابد أن كثيرين قد قالوها فى أنفسهم، إن الدولة المصرية دولة كبيرة، وإنها لا يجوز أن تقع فى مثل هذه الأشياء الصغيرة.. لا يجوز ولا يليق.. لأن خصومنا يأخذونها أولاً بأول، ويضخمونها، وينفخون فيها، ثم يظلون يتاجرون بها، فيخصمون بها أيضاً من رصيدنا، ومن رصيد الرئيس، الكثير جداً!.
قانوناً.. من حق الرئيس أن يعزل رئيس أى جهاز رقابى، بموجب قانون كان قد صدر بقرار ثم مرره البرلمان، وأصبح واقعاً!.
وكنت قبل فترة، قد نصحت المستشار جنينة فى هذا المكان، بأن ينصرف من تلقاء نفسه، بدلاً من أن يظل فى منصبه، فتصرفه الدولة بقوة القانون، وكان تقديرى وقتها أن «الكيميا» فيما يبدو، ليست حاضرة بين الرجل وبين مستويات عليا فى الدولة، وأن هذه المستويات لا تبلع وجوده فى مكانه، وبالتالى، فليس من الممكن أن يمارس أى مسؤول رقابى مهام عمله غصباً عن المزاج العام من حوله، ثم يكون منجزاً، وقد كان انصرافه، من تلقاء ذاته، أفضل له، ولهؤلاء الذين أعنيهم، حين أقول عنهم، إنهم «المزاج العام من حوله».. ولكن يبدو أنه كان له تقدير آخر للأمور، وهى تدور أمام عينيه!.
لا أعرف المستشار جنينة، ولم يحدث أن رأيته مباشرة فى حياتى، ولكنى أشعر بأن شيئين لن يكونا فى صالح الرقابة الحقيقية على المال العام: الأول تمرير قانون رؤساء الأجهزة الرقابية فى البرلمان بالسهولة التى مر بها، وكان الأفضل تماماً ألا يمر، وثانيهما عزل جنينة بهذه الطريقة الدرامية، وكان فى الإمكان صرفه بطريقة طبيعية لا عصبية فيها.
إن الرئيس السيسى هو أحوج الناس إلى أن تكون الرقابة على المال العام، من حوله، من حديد، وفى حاجة إلى وجود رجال فى أجهزة الرقابة، يحاسبون الذين يهدرون المال العام على القرش قبل الجنيه، وفى حاجة إلى أن تكون أيدى رؤساء هذه الأجهزة قوية للغاية، وهى تؤدى عملها، وألا يشعروا، ولو للحظة، أن هناك سيفاً مسلطاً على رقابهم، اسمه حق الرئيس فى عزل رئيس أى جهاز رقابى فى أقل من دقيقة!.
لا القانون الذى مرره البرلمان، ولا الطريقة التى جرى بها عزل جنينة فى صالح الرئيس.. والقرآن الكريم يقول: «فستذكرون ما أقول لكم».