أرفض كل هؤلاء الذين يتهمون المصريين بالمغالاة فى فرحتهم بفوز منتخب بلادهم على نيجيريا أمس الأول وضمان التأهل لنهائيات كأس الأمم الأفريقية المقبلة فى الجابون.. فالفرحة حقيقية وصادقة ومن القلب ولها أسبابها ودوافعها والحاجة إليها أيضا.. لكننى فى المقابل أرفض أيضا عودة نغمة كرة القدم كفرحة وحيدة وحقيقية لمصر.. أرفض أن نعود بأنفسنا وبلادنا إلى الوراء بمثل هذا الشكل الساذج والجارح والمهين أيضا ليصبح انتصارنا فى ملاعب الكرة هو كبرياءنا الحقيقى وغاية ما نحلم به ونقدر عليه.. وأنا أحب كرة القدم كثيرا وجدا لكننى أحب مصر أكثر وأعمق وأرفض اختصارها فى مجرد ملعب كرة.. فإذا كان من حق أى مصرى أن يفرح بانتصار كروى لمنتخب بلاده الذى تأهل لنهائيات أمم أفريقيا.. فهذا لا يلغى مطلقا بقية حقوقه الحياتية والإنسانية.. حق العدالة والأمان والمعرفة والنور.. ولا يصح أو يليق أن يعود عموم المصريين لنقطة الصفر مرة أخرى، وتصبح كرة القدم هى الخيار الوحيد المتاح أمامهم للفرحة والحزن والصراخ والغضب والانتماء والأغانى الوطنية ورفع علم بلادهم.. ومن المؤكد أن هناك من لن يقتنع بكلامى وهناك من سيتهمنى بالمبالغة والتهويل.. لكننى لاأزال أؤكد أنه ليس فى مصلحة البلد أن يحدث كل ذلك، أو أن يتكرر ما جرى فى الماضى القريب والذى لا يحدث أبدا فى أى بلد يملك وعيه ويعيش فيه الناس بكل خيارات الحياة المتاحة أمامهم.. فمنتخبنا سيلعب مباراته المقبلة أمام تنزانيا.. وأتمنى وأظن أنه سيفوز رغم أنها هناك فى تنزانيا.. وأتمنى أيضا أن تواصل أنديتنا الأربعة مبارياتها وانتصاراتها الأفريقية فى دورى الأبطال أو الكونفيدرالية.. ووسط ذلك كله سيدوم سباق انتصارات الأهلى والزمالك سعيا وراء الفوز ببطولتى الدورى أو الكأس.. وسينشط الإعلام الكروى وتتمدد مساحاته أكثر بل وستزداد خلافاته ومعاركه أيضا لأن الغنيمة وقتها ستستحق الحرب والقتال.. وسيكون هناك من أهل السياسة من يسعده ذلك وسيعمل بالتأكيد على دوام وازدهار ذلك.. وسيشغل هذا عموم الناس بعد وينسيهم حقوقهم وقضاياهم الأخرى.. لن يتذكر أحد وقتها برلمانا أو حكومة.. بطالة أو مظالم أو فسادا.. سد النهضة أو أزمة الدولار أو العاصمة الجديدة.. سنعود من جديد ونتناول أقراص المخدر الساحرة التى ستجعلنا ننسى همومنا وجروحنا ولا نتذكر أو نحتفل ونفرح ونغنى إلا لانتصاراتنا الكروية.. وقد سعدت جدا بفوز مصر أمس الأول ولاعبين جدد بدأت تتوالى شهادات ميلادهم كنجوم كرويين كبار.. لكننى سعدت أيضا بأن قواتنا المسلحة فى نفس وقت المباراة كانت تنصب أكثر من كمين لفصائل الإرهاب فى سيناء وتقتل خمسين منهم.. وأظن أن هؤلاء الإرهابيين توقعوا انشغال الجنود والضباط بمباراة مهمة لمصر فكانوا يخططون لأكثر من تفجير لكنهم فوجئوا بمن يسبقهم ويقتلهم قبل أن يقتلونا.. أى أننا ممكن أن نلعب ونفرح بانتصاراتنا وبطولاتنا فى كل ملعب.. لكننا أيضا نعيش ونحلم ونطالب بكل حقوقنا التى لن نتنازل عنها من أجل هدف هنا أو هناك.