x

محمد فودة جاي من دبي.. يتنطط! محمد فودة الأربعاء 30-03-2016 21:26


كنت أقضي إجازتي السنوية في مصر قبل ثورة ٢٥ يناير، ودعاني صديق إلى حضور ملتقى سياحي لمدة خمسة أيام بشرم الشيخ البديعة، وفي اليوم الأخير عُقد مؤتمر صحفي لمحافظ جنوب سيناء، الذي تحدث بأريحية كبيرة شارحًا إنجازاته الجبارة، فيما كنت منبهرًا بحالة التضخم العظيمة في ذاته التي أوشكت على الانفجار!

وبسذاجة مغترب لديه حماسة غير مستحبة في مثل هذه المناسبات، قلت له «سيدي، ركبت تاكسي من الفندق إلى نقطة معينة في خط مستقيم، ودفعت عشرة جنيهات، وعدت من نفس النقطة إلى الفندق ودفعت ١٥ جنيهاً، رغم أن كلا السائقين قام بتشغيل العداد في المشوارين!

لماذا يا سيادة المحافظ، ألا يمكن السيطرة على هذه السلوكيات للحفاظ على سمعتنا أمام سائحين قادمين من دول تجرّم هذه الممارسات، لقد جئت من دبي مثلاً.. وهناك ..!

قاطعني المحافظ بحماسة لا تقل عن اندفاعي قائلاً «أيوه.. أيوه.. هي دي مشكلتكم.. كل اللي جاي من دبي يتنطط علينا.. دبي غير يا سيدي.. ما تقارنش»!!!.

نظرت إليه، وكأن على رأسي الطير، وسألته والدم يغلي مندفعا إلى رأسي «هو حضرتك زرت دبي قبل كده؟».

رد بثقة ديك شركسي يتباهى بين دجاجاته: طبعا!

قلت له منكسراً: أنا فهمت دلوقت ليه عمرنا ما هنطلع خطوة واحدة لقدام.. طول ما فيه رجال مخلصين زي سيادتك مسؤولين عن أهم البقاع السياحية في مصر والعالم!!

تذكرت هذه الواقعة حين شاهدت وزير السياحة السابق، -غير المأسوف عليه- وهو يتسول علينا أخيراً في ألمانيا، عارضا صور الباعة الجائلين، متوسلا زيارة مصر حتى لا يجوع هؤلاء!!!

لماذا تستقبل دبي -المدينة الصغيرة- سنوياً عدد السياح ذاته، الذي تستقبله مصر بأهرامها ومتاحفها ومعابدها ونيلها وشواطئها ومقاصدهاالعلاجية وصحرائها البديعة.. بقاهرة المعز والإسكندرية والأقصر وأسوان وبورسعيد وسيناء والواحات؟!

الإجابة بكل بساطة أن في دبي ثقافة مختلفة، وللسائح مائة رب يحميه، فلا يمكن أن يمسه أحد أو يفكر في الاحتيال عليه أو تفتيشه، لا يمكن أن يركب جملاً بخمسة جنيهات وينزل من عليه بـ 300 جنيه كما حدث مع صديق مصري أخطاً واستجاب لابنه الذي طلب ركوب الجمل عند الأهرامات!!

إذا تعرض السائح في دبي لمشكلة لا يتوجه إلى مركز الشرطة حفاظا على وقته الثمين، بل تأتي إليه في مكانه وتتابع شكواه وتحلها حتى لو غادر الدولة قبل ذلك، إذ يتم التواصل معه في بلاده والتأكد من استعادته حقوقه كافة..

في كوكب دبي أنت مرحب بك منذ أن تفكر في السفر إليه، وفور وصولك تجد استقبالاً لائقاً بضيف سيدرّ دخلا إلى المدينة، وهناك من يرعاك ويساعدك ويحرص على سعادتك في كل مكان تقصده..

قبل حوالي عامين، فوجئت وفود سياحية قصدت الإمارة في إجازة عيد طويلة نسبيا بفرق موسيقية تستقبلهم بمطار دبي، ووُزعت على السياح قسائم شراء بمبالغ كبيرة، وصدر قرار آنذاك بأن تعمل المراكز التجارية على مدار الساعة، وحين زرناها ليلاً فوجئنا بموظفي المتاجر يرتدون بيجامات ويرفعون شعار «هذا موعد نومنا لكن فضلنا خدمتكم بدلا من ذلك!»، تخيلوا تأثير هذه اللفتات الصغيرة على السائح..

لاحظت في جولة أوروبية قمت بها قبل سنوات قليلة، أن الأجانب الذين التقيتهم هناك يتحمّسون كثيراً حين أخبرهم أنني مصري، وكأنني تحتمس الثالث، لكن يتبدّل حالهم إلى انبهار غريب حين أقول إنني أعيش في دبي، فيرددون «دوووبااااااي» ويلمسون صدري للحاق بي هناك!

صنعت دبي علامتها التجارية من العدم، صنعتها لأن من المستحيل أن يعين في حكومتها مسؤول مثل المحافظ اللوذعي أو الوزير المتسول.. صنعتها لأن الذي يحكمها حرث البحر عمليا وليس على سبيل المجاز..

سيظل هذا السؤال يلحّ عليّ حتى أموت «ماذا لو حكم مصر خلال الأعوام الثلاثين الماضية رجل مثل محمد بن راشد آلِ مكتوم؟» تخيلوا السؤال وشاركوني إجاباتكم..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية