«تمامًا كمريض بلغت درجة حرارته 40 ثم انخفضت بالعلاج إلى 39، هناك تحسن ولكنه ما زال يحتاج للمزيد من الجهود لتستقر حالته».. هكذا وصف رئيس الحكومة حالة مصر الآن، مصر مريضة.. مظاهر مرضها كثيرة وليست خافية عن العيان....
ليست المرة الأولى التى تمرض فيها مصر، على مر التاريخ أصيبت بأمراض كثيرة وجراح أكثر، ترنحت وكادت أن تتهاوى وظن البعض أنها ماتت ولم تعد سوى كوم من رماد، ولكنها تبعث من جديد، مثل طائر العنقاء الأسطورى تنفض رمادها لتنتفض: شابة قوية وعفية.. لم يعد فى القلب محل ليأس.. لم يبق أمامنا إلا طريق الأمل.. أمل إيزيس فى جمع أشلاء أوزوريس المتفرقة.
كل يوم تأتينا أخبار تؤكد تكاثر النوائب علينا، أرضنا تنبت شوكا يوخزنا كلما سرنا، حتى إن حاولنا الهرب، الفساد التهم حصاد الناس الطيبين وكأنه جراد لايترك على الأرض الطيبة سوى خراب أينما حل، أحلامنا تكسرت على صخور الواقع، عدنا من رحلة الصيد كـ«سانتياجو» بهيكل عظمى، أسماك القرش المفترسة أكلت ما كافحنا من أجله فى ثورتين، وبقيت ذكرى صراعنا تدل على نبلنا وعلى واقعية وجود تلك الأسماك القاتلة.
حوادث سوداء، كنفوس بعض البشر الذين يريدون بهذا البلد شرا، العقلاء تتناقص أعدادهم كل يوم، فهناك من يفضل أن يشرب من نهر الجنون ليبقى فى حزب الأغلبية، الوقوف مع الأقلية قد يؤدى لمقتلك، سيأتى الآخرون زمرا محتشدين ليلقوا عليك أحجار اتهاماتهم الباطلة، يطالبون برأسك وضرورة التخلص منك ومن كل من يخالفهم.
الشوك يوخز الجلد ويدمى القلب، الشرفاء يتساقطون تحت حوافر الدواب، دولة المماليك تحكم، يتصارعون على مصالحهم ويتطلعون للمزيد من المزايا، يود البعض أن نفتح القلاع لجنود نابليون.. يتصورون أنهم سيجلبون معهم الحضارة وسينعمون بين صفوفهم بالأمن والأمان والحرية.. مادام معهم فنانون يرسمون فقر حياتنا فى لوحات تخلد عبقريتهم، لوحات نبتسم فيها بسذاجة كالغافلين.
الفرعون ينادينا: «ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى» نصدقه حينا ونكذبه حينا، وحين نسقطه، نسارع بالبحث عن فرعون جديد، أشد قوة وأكثر عزما من سابقه، وكأن موسى ماخرج من مصر وكأن فرعون ما غرق فى البحر.
الكاتب المصرى يجلس القرفصاء بجسده الممتلئ، شاهدا على عصره، يكتب مايكتب ويأتى من يمحو كتابته، فلايثور ولاينزعج فـ«هذا عيشنا» وهذا «ما ألفينا عليه آباءنا».
أجدادنا العظام مازالوا يرسمون لنا طريق المستقبل، نستفتيهم فى قبورهم فى أمور دنيانا، فبعد مئات السنين مازلنا لم نبلغ سن الرشد بعد، ولانعرف من دونهم كيف نخرج من ضلال القرن الواحد والعشرين.
كنت أريد أن أتحدث فى هذا المقال عن إقالة الرئيس السيسى للمستشار هشام جنينة، وماهى دوافعه لإقالة رجل حصنه الدستور ولم يتبق فى مدته إلا بضعة شهور!!.. وبالعودة للقرار بقانون الذى أصدره الرئيس فى يوليو من العام الماضى، والذى حدد فيه 4 حالات يجوز له فيها إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، أتساءل عن حالة جنينة وماهى الحالة التى تنطبق على حالته منهم.. ولكننى شعرت أن الأمر ليس بالأهمية التى أظنها فغدا ستصحو مدينتنا على خبر جديد يثير شهيتها وسيصبح خبر إقالة جنينة واختطاف الطائرة وخناقة ساويرس مع محافظ البنك المركزى «أكل بايت»، مدينتنا لاتعدم الكلام، فجراب اللسان دائما مليان وجراب الفعل خاوٍ.
ليس لدى وصفة سحرية لعلاج مصر، ولكن عندى شكوك فى وصفة السيسى ورئيس حكومته، ولكن لدى يقين بأن مصر لن تموت.