بدأت الصين الاثنين الماضي عملية «توريث»السلطة على طريقتها الخاصة بمنح «شي جين بينغ» نائب الرئيس الصيني وظيفة جديدة هي نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية التي يرأسها الرئيس «هو جين تاو».
وتقول مجلة «اٌلإيكونوميست» البريطانية: إن هذا المنصب يمنح لمن هم على قائمة الانتظار في طابور القادة. فهذا يعني أن «شي» (57 عاما) سيصبح الأمين العام للحزب عام 2012 ورئيساً للبلاد في العام التالي ليتولى دفة بلاد ذات ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم وتملك أكبر قوات مسلحة في العالم وتمر بعملية تغيير اجتماعي موجعة.
وجاء تعيين «شي» في اختتام المؤتمر العام للحزب الشيوعي. و«شي» عضو منذ 2007 في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي.
وترى «اٌلإيكونوميست» أن العالم ينبغي أن يقلق جراء هذا الانتقال لسببين: الأول هو الشخصية غير المعروفة للزعيم القادم للصين. والثاني هو طبيعة النظام الهشة الذي هو أقل تراصا وثباتا مما يظن الكثير من الأجانب. فالرجل الذي تتم تهيئته للاضطلاع بالدور المزدوج للرئيس "هو" بوصفه رئيسا للحزب في 2012 ورئيسا للصين في العام الذي يليه هو اسم غير مألوف؛ إذ لم يكن «شي» وهو ابن أحد مؤسسي الصين الشيوعية معروفا في العالم الخارجي منذ سنوات قليلة مضت.
وعدم الوضوح يلف قصة صعود «شي» على هذا النحو في الحزب الشيوعي الذي ما زالت السرية تطغى على أعماله على الرغم من ارتباطاته المتنامية مع العالم. ولعل تعيين «شي» مماثل لتعيين «كيم جونج أون» في كوريا الشمالية لخلافة والده «كيم جونج إيل» بعد أن تم تعيينه نائبا لرئيس اللجنة المركزية بعد اجتماع مغلق، بدون توضيح للجمهور. أما قادة الصين فقد أعلنوا عن تعيين «شي» وإن يكن ذلك بجملة واحدة ضمن بيان رسمي مؤلف من 46 ألف حرف بعد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي.
أما في الجانب المضئ، فإن «شي» شغل بعض المناصب الكبيرة في عدد من المقاطعات الصينية المندمجة اقتصاديا مع العالم مثل مقاطعتي فوجيان وزيجيانج الساحليتين ولفترة قصيرة في شنغهاي القريبة منهما. وهو شخصية عالمية نسبيا. وزوجته مغنية مشهورة. لكن من المستحيل تقييم مدى أهليته لإدارة الصين أو كيف ضمن خلافة «هو جين تاو».
وظاهريا يبدو الأمر وكأن «هو جين تاو» يسلم السلطة لآخر. لكن «شي» هو وافد جديد نسبيا على الدائرة الضيقة في الصين. وهو لم يخدم طويلا مثلما فعل "هو". وهناك كثيرون في الحزب يشعرون بالاستياء من صعود "الأمراء" (أو أبناء كبار المسؤولين في البلاط الصيني) أصحاب الاتصالات الجيدة مثل «شي» للسلطة. وستكون هناك فترة انتقالية مدتها عام بمثابة اختبار للرئيس القادم.
وتقول «اٌلإيكونوميست»: إن ضخامة المهمة- وليس الغموض الذي يحيط بالرجل- هي التي ينبغي أن تجعل العالم عصبيا. فعلى الرغم من كل التصريحات الصادرة منهم عن الوحدة، توجد مؤشرات على اختلافات بين القادة الصينيين بشأن نظرتهم إلى أولويات البلاد سواء على صعيد الاقتصاد أو الإصلاح السياسي.
ويسير الاقتصاد الصيني وفقا للمعايير الغربية لكن الصين تواجه تكيفا صعبا لتحصين نفسها من الإفراط في الاستثمارات والصادرات لصالح مزيد من الاعتماد على الاستهلاك.
وأماط بيان الحزب الشيوعي اللثام عن الخطوط العريضة للخطة الاقتصاية الخمسية الجديدة. فقد دعا الحزب الذي ناقش خطة خمسية للأعوام 2011-2015، إلى «زيادات للعائدات» و«تعزيز نظام الضمان الاجتماعي» و«تسريع الإصلاح وتنمية القطاع الصحي»، ومنح العمال الأجراء نصيبا أكبر من الدخل القومي. وتحقيق هذه الأهداف سيكون في صالح الصين وفي صالح العالم أيضا إذ سيساعد على تضييق فجوة الفائض التجاري الذي يزعج أمريكا كثيرا.
غير أن التغيير لن يكون بدون ألم. فالمصدرون يخشون من تأثر أعمالهم سلبا إذا ارتفعت الأجور أو سعر اليوان بشكل سريع. وستقاوم الشركات القوية المملوكة للدولة التي تستفيد من القروض الميسرة والأرض والطاقة التهديدات التي تتعرض لها هذه المزايا التي تتمتع بها.
وفيما يخص الإصلاح السياسي، تحدث زعماء الصين عن الديمقراطية طوال الـ 30 عاما المنصرمة لكنهم لم يفعلوا شيئا يذكر. وقد تحسنت الاتصالات بين الصينيين بفضل النمو السريع وانتشار الإنترنت والهواتف المحمولة مما أتاح لهم مجالا للتنفيس عن مظالمهم ومواصلة أحلامهم بحرية أكبر من ذي قبل، طالما لا يهاجمون الحزب. لكن شريحة من الصينيين تطالب بمزيد من الحرية في كيفية إدارة البلاد.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تحمست الصحف الأكثر ليبرالية في الصين لدعوات رئيس الوزراء «وين جيا باو» من أجل «الإصلاح السياسي». أما الصحف المحافظة فقد حجبتها.
وتكاد تنعدم فرص قيام الرئيس «هو» الحذر بإحداث إصلاحات قبل أن يتنحى.
وأشاد بيان الأسبوع الحالي بـ«المزايا السياسية للنظام الاشتراكي في الصين»، وذكر الإصلاح السياسي باقتضاب قائلا: إنها تحتاج إلى جهد «قوي ومضطرد»، كما يفعل الزعماء الصينيون في الغالب. وحتى رئيس الوزراء «وين»- الذي سيتقاعد في الوقت نفسه مع الرئيس «هو»- يتحرك بسرعة السلحفاة.
هل سيسرع السيد "شي" وتيرة الأمور؟ سيظل السؤال مطروحا. فالصين لا تعدم الكثير من المحافظين الذين يدعون إلى الحرص والحذر. في مقابل هؤلاء يوجد أصحاب وجهة نظر براجماتية تدعو للتغيير، تقول: إن المكاسب الاقتصادية التي حققتها الصين ستتعرض لخطر الفشل الذي سيرخي بدوره قبضة الحزب.
وأصبحت الانفجارات الشعبية الغاضبة التي يؤججها الاستياء من قسوة الحكومة مع المواطنين العاديين أمرا شائعا في القرى والبلدات والمدن في جميع أنحاء الصين. وتكشف البيانات الحكومية الرسمية عن ارتفاع أكثر من عشرة أضعاف في عدد الاحتجاجات والاضطرابات التي تشهدها الصين سنويا منذ 1993. فقد تم الإبلاغ عن أكثر من 90 ألف حالة احتجاج في كل سنة من السنوات الأربع الماضية. وفي الماضي كان قادة الصين يعتمدون على النمو لتأمين الاستقرار الاجتماعي. وإذا حدث تباطؤ خطير فإن التذمر الشعبي سيزداد.
وترى «اٌلإيكونوميست» أنه ينبغي أن يكون طريق «شي» واضحا وهو إرخاء قبضة الحزب على المعارضة ورفع غطاء السرية وإجراء إصلاحات اقتصادية حيوية. لكن من غير الحكمة أن تعتقد دول العالم أن هذا العقل سيسود. ففي أوقات عدم اليقين، يميل النظام الصيني إلى دغدغة الشعور القومي. فقد اندلعت مظاهرات كبيرة مناوئة لليابان أثناء الاجتماع الأخير للحزب. كما كانت أمريكا والغرب واقعة تحت طائلة هجوم كلامي حاد ترافق مع دعوة الحزب في اجتماع للمسؤولين بتعزيز «القوة الوطنية الشاملة للبلاد».
وتقول «اٌلإيكونوميست»: إن الكثيرين من الغربيين- بمن فيهم هؤلاء الذين يحضون على فرض عقوبات تجارية على الصين- يفترضون أنهم يتعاملون مع قوة رشيدة واثقة من نفسها بلغت سن الرشد. لكن بدلا من ذلك يجب عليهم أن يفكروا في بلاط إمبراطوري مصاب بجنون العظمة يجاهد لمواكبة رعاياه وشرع الآن على استحياء في عملية توريث سلطة، مشيرة إلى أنها عملية محفوفة بالمخاطر كما حدث من قبل، حين اختار «ماو تسي تونج»، خليفته «هوا قوه فنغ». وثبت فيما بعد أنه اختيار كارثي. فقد استمر حكم «هوا قوه فنغ» بضع سنوات قبل أن يطاح به في العام 1978. وبعدها بعشر سنوات ظهرت ملامح عملية توريث ثانية على خلفية انتفاضة ديمقراطية. ولم يفلح الحزب الشيوعي الصيني في تمرير السلطة بسلاسة إلا مرة واحدة منذ ثمان سنوات وذلك إلى «هو جين تاو».