شهدت أسعار الخضر والفاكهة ارتفاعاً كبيراً وصلت نسبته في بعض المناطق إلى 100٪، فيما أكد عدد من المستهلكين أن الحل الوحيد لحل «الأزمة الحالية للأسعار» هو الاتجاه إلى أسلوب البيع بـ«الواحدة»، وأكدوا أن دخولهم لا تتحمل هذه الزيادات، وأن البيع بهذا الأسلوب بمثابة «الحل المنقذ لهم»، بينما رأى اقتصاديون أن الوصول إلى النجاح، الذى حققته الدول الأوروبية، التى اتبعت هذا الأسلوب، يحتاج إلى جهد كبير فى تغيير النمط الاستهلاكى للمستهلك.
أدى استمرار ارتفاع أسعار الطماطم بأسواق الثغر في مدينة الإسكندرية، إلى عزوف عدد كبير من المواطنين عن شرائها، انتظاراً لانخفاضها مرة أخرى، والاعتماد على عبوات الصلصة، التى لم تشهد ارتفاعاً حتى الآن.
وقالت فوزية محمد، ربة منزل: «إن ارتفاع أسعار الطماطم ووصولها إلى 13 جنيها للكيلو أمراً لا يتحمله أحد، مشيرة إلى أن أسعار الصلصة التي تبدأ من 3 جنيهات للعبوة ساهمت بشكل كبير فى حل أزمة ارتفاع أسعار الطماطم، حيث بات الاعتماد عليها حلاً منقذاً لعجز المواطنين عن شرائها.
وفى الوقت الذى استمرت فيه الطماطم فى الإرتفاع، شهدت أسعار باقى الخضروات انخفاضاً ملحوظا خلال اليومين الماضيين، حيث انخفض سعر كيلو الخيار جنيهين ليباع بجنيهين فقط بدلاً من 4 جنيهات، بينما وصل سعر كيلو الباذنجان إلى جنيهين بدلاً من 3 جنيهات، وانخفض القلقاس إلى 2.5 جنيه ليباع الكيلو بـ4 جنيهات . ووصل سعر كيلو البامية إلى 5 جنيهات بدلاً من 6 جنيهات.
وقال إبراهيم محمد، تاجر خضروات: إن الإقبال على الأصناف التى انخفضت أسعارها زاد بنسبة تخطت الـ80% خلال اليومين الماضيين، مقارنة بنسبة الإقبال خلال الأسبوع الماضي، لافتاً إلى أن الإقبال على الطماطم يكاد يصل إلى حد العزوف، بسبب الارتفاع المستمر لأسعارها، حيث يبدأ الكيلو فى المناطق العشوائية من 8 جنيهات، بينما يتراوح سعره بين 12 و13 جنيهاً، فى محال المناطق الراقية بالمحافظة.
من جانبها أعلنت المجمعات الاستهلاكية عن تكثيف المعروض من الخضروات والطماطم، بأسعار أقل من الأسواق بـ15 %، وأكد سعيد حسن، رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية للمجمعات الاستهلاكية، أن الإقبال على خضروات المجمعات وصل إلى 100%، بسبب انخفاض الأسعار، مشيراً إلى أنه يتم تكثيف المعروض بشكل يومى، حتى يتناسب مع درجة الإقبال، متوقعا زيادة التكالب على المجمعات خلال الفترة المقبلة، بسبب الزيادة المستمرة التى تشهدها أسواق الثغر.
من ناحية أخرى، قال أحمد خلف، تاجر خضروات بسوق الجملة: إن الزيادات، التى شهدتها أسعار الخضروات والفواكه مؤخراً، أدت إلى تراجع مبيعات أسواق الجملة بشكل كبير، بسبب تخفيض المستهلكين الكميات التى اعتادوا على شرائها، مشيراً إلى أن أكثر المشاكل المتكررة يومياً فى الأسواق، سببها رفض التجار بيع أنصاف الكميات للمواطنين، حيث يطلب المستهلك نصف كيلو طماطم أو ربع كيلو فلفل، فيرفض البائع وتزداد حدة الخلاف بين الاثنين، فالأول لا يستطيع توفير المبلغ المطلوب لشراء الكمية بالكامل، والثانى يعتقد أن ذلك سيؤدى إلى زيادة التكلفة وتخفيض نسبة الربح المفترض تحقيقها.
وأضافت فتحية محمد، ربة منزل، أن ارتفاع الأسعار الذى قابله تعنت من قبل البائعين ورفض عدد منهم البيع، وفقاً لقدرة المستهلك وإمكانياته والكمية التى يحتاجها من السلعة، يمكن أن يؤدى إلى خلق حالة من «العزوف» التام عن الشراء، لحين عودة الأسعار إلى طبيعتها، مؤكدة أن هناك ضرورة ملحة لتعميم أسلوب البيع بالقطعة، واستبدال عملية الشراء بالكيلو إلى الشراء بـ«الواحدة»، حتى يحصل المستهلك على حاجته فقط دون أى زيادة غير مبررة فى الكميات، ويصبح الشراء لعدد أفراد الأسرة بالواحدة وليس الكيلو.
وأكدت أن هناك سلعاً تفسد فى المنزل بسبب شراء كميات منها لعجز المستهلك عن تصغير الكمية، مشيرة إلى أن هذا الأسلوب سيساهم فى عدم إهدار كميات كبيرة من الخضروات والفواكه التى لا تتحمل التواجد فترة كبيرة فى المنزل، وستترك هذه الكميات إلى مستهلكين آخرين لكى يستفيدوا منها، مما يترتب عليه زيادة المعروض فى الأسواق، لأن كل مواطن سيحصل على احتياجه فقط من السلعة.
وقال إبراهيم فايق، تاجر بسوق المنشية: إن تجزئة الكيلو لبيعه بالواحدة ستتسبب فى خسارة التجار، موضحاً أن ربحه من كيلو الفاكهة لا يتعدى 50 قرشاً، بعد خصم مصاريف النقل وعندما يقوم بتجزئة الكيلو إلى 4 أرباع (على سبيل المثال) سيتحمل تكلفة التعبئة دون إضافة أى زيادة لسعر السلعة، فضلاً عن تحمل التاجر وحده تكلفة خسائر المتبقى من السلع الذى يفسد بمرور الوقت.
وأكد حسن الفيل، صاحب مزرعة لإنتاج الموالح، أن تعدد الحلقات التسويقية من أهم الأسباب التى أدت إلى ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن النسبة التى ارتفعت بها أسعار الخضر والفواكه ليست النسبة الحقيقية، حيث استغل عدد من التجار الأزمة وقاموا برفع السعر، محملين المزارعين سبب هذه الزيادة، لافتاً إلى أن هناك ضرورة ملحة لتحديد هذه الحلقات فى أقل عدد ممكن، مؤكداً أن أسلوب البيع بالواحدة سيساهم فى توفير الكميات المطلوبة، وتشجيع الشباب المنتجين، الذين لا يستطيعون تسويق منتجاتهم أمام الكيانات الكبيرة، حيث يوجد عدد من الشباب يستغلون الأسطح فى زراعة الخضروات والفواكه، لكنهم يعجزون عن تسويقها.
فى السياق ذاته، أوضح حسن نورالدين، رئيس شعبة الخضر والفاكهة بالغرفة التجارية بالمحافظة، أن اتباع أسلوب البيع بالواحدة يتم استخدامه فى الدول المتقدمة، حيث يتم بيع شرائح البطيخ ملفوفة فى ورق خاص للحفاظ عليها من أجل المستهلكين، مشيراً إلى أن هذه الدول فكرت بأسلوب يساهم فى توزيع الكميات الموجودة من السلع على أكبر عدد من المستهلكين، وأكد أن الأزمة التى تعانى منها البلاد خلال الفترة الحالية والنقص الكبير فى المحصول، يتطلبان اتباع أساليب الدول التى استطاعت التغلب على هذه المشكلة من خلال البيع وفقاً لحاجة المستهلك بالعدد وليس بالكيلو.
وأضاف «نورالدين» أن بيع الفواكه والخضروات بالواحدة سيؤدى إلى توفير كميات كبيرة لمستهلكين آخرين، وسيحد من تأثير نقص المحصول على الأسعار، حيث ستكفى الكميات الموجودة أكبر عدد من المستهلكين، مشيراً إلى أن سبب ارتفاع الأسعار كان انخفاض المعروض فى الأسواق بعد موجة الحر، التى اجتاحت البلاد التى ساهمت فى تقليل الكميات بصورة أدت إلى الأزمة الحالية، وهو ما يتطلب إعادة النظر فى عادات البيع والشراء من جانب الباعة والمشترين.
وأكد أن النتائج ستكون إيجابية على دخل المستهلك، حيث سيساهم ذلك فى تقسيم الدخل على أكبر عدد من المشتريات الأخرى وسيزول تدريجياً إحساسه بالعجز وعدم قدرته على الشراء، وهو ما سيساهم فى تنشيط أسواق جميع السلع الأخرى، مشيراً إلى أن البداية يجب أن تكون فى «المولات» الكبيرة التى تعرض منتجاتها بأسعار أقل من المحال الأخرى، حتى يبدأ المستهلك التعود على الشراء فقط وفقاً لاحتياجه، تسهيلاً لتعميم التجربة فى جميع الأسواق، لافتاً إلى أن تغيير ثقافة المستهلكين والتجار، من أهم الأسباب التى ستساهم فى نجاح التجربة.
وحول تأثير اتباع أسلوب البيع بالواحدة على أسواق الجملة فى المحافظة، أكد حسن أن 80٪ من الخضروات والفواكه المتداولة فى الأسواق لا تمر على أسواق الجملة، ويتم تسويقها مباشرة بين المنتج والمستهلك من خلال موزعين متخصصين، وهو ما ترتب عليه انخفاض إيرادات أسواق الجملة فى المحافظة بصورة كبيرة، متوقعاً اختفاء هذه الكيانات خلال الفترة المقبلة أو انحسار نشاطها فى نطاق ضيق، لافتاً إلى أن أى تطوير فى التجارة سيؤثر على تجار الجملة بصورة كبيرة.
من جانبه، قال الدكتور على عبدالمنعم، الخبير الاقتصادى، إن عدم مراقبة الحكومة الأسواق وترك الأسعار فى يد التجار متحكمين فى السوق بالكامل، كان أهم الأسباب التى أدت إلى «الانفلات» الحالى للأسعار، وتحويل الأسواق إلى عشوائيات، وأصبح سعر السلعة لا يعبر عن العرض أو الطلب، إنما يعبر عن رغبة التجار فقط.
وتابع أن اختفاء دور المجتمع فى الوقوف ضد الارتفاع الحالى للأسعار والعزوف عن الشراء لفترات سيعيد الأسعار لطبيعتها حتى وإن كانت السلع لا تكفى المستهلكين كما يدعى التجار، مشيراً إلى أن مشكلة انخفاض المعروض من السلع يمكن حلها من خلال تغيير ثقافة المستهلكين، وحثهم على ضرورة ترشيد الاستهلاك وشراء احتياجاتهم فقط، فضلاً عن تنظيم الأسواق التى ستتجه إلى البيع بالواحدة وتعميم الفكرة على باقى الأسواق، حيث سيؤدى ذلك إلى حل مشكلة نقص المعروض من السلع، وهو ما يحتاجه المستهلكون بشدة خلال الفترة الحالية، مطالباً بضرورة اتجاه الحكومة خلال الفترة المقبلة لتشجيع البيع بهذا الأسلوب.
وقال الدكتور رفعت لقوشة، أستاذ الاقتصاد جامعة الإسكندرية، إن هذه الفكرة قابلة للتطبيق والتعميم فى الإسكندرية، إلا أنه أوضح أنها لا تصلح فى محال التجزئة أو الأسواق الشعبية، التى يقوم فيها البائع ببيع سلعة واحدة سواء خضر أو فاكهة، حيث تكون أقل وحدة تعامل فى هذه الأماكن هى الكيلوجرام، وهو ما يرفع نسبة الخسارة فى حالة تجزئة السلعة التى يبيعونها، لأنهم سيواجهون مشاكل فى دورة التسويق أو يضطرهم ذلك إلى رفع سعر السلعة عند البيع بالجرامات.
وأضاف: إن أسلوب البيع بالواحدة قابل للنجاح أكثر فى المجمعات الكبيرة التى تتضمن أنواعاً مختلفة من السلع والبضائع، مشيراً إلى أن الاتجاه إلى هذا السلوك فى الشراء سيساهم فى ترويج حركة البيع لجميع السلع الموجودة بالمجمع، وطالب بضرورة تعميم فكرة الأسواق المجمعة التى تشمل جميع احتياجات المستهلك لخفض الأسعار.
وتابع: إن هذا الاتجاه الشرائى موجود فى بعض «المولات» الكبيرة، موضحاً أن لجوء هذه المولات إلى استيراد بعض الأنواع من الخضر والفاكهة يجعل المستهلك متوسط الدخل، الذى يتردد على هذه المولات لا يستطيع أن يستفيد من ميزة خفض الأسعار، بسبب ارتفاع أسعارها من المصدر.
وحول تأثير اتباع أسلوب البيع بالواحدة على معدلات التضخم، أكد أن هناك احتمالين للتأثير، إما الارتفاع وإما الانخفاض، موضحاً أنه فى حالة فرض البيع بالجرام على تجار التجزئة، سيؤدى ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم، حيث يمثل الكيلو، أصغر وحدة للوزن يتعامل بها بائع الجملة مع التاجر الصغير، وإذا تمت تجزئة السلعة لبيعها بالواحدة للمستهلك، لا يؤمن ذلك مخاطر التجزئة.
وقال «لقوشة»: إذا كان سعر الكيلوجرام من التفاح عند الفكهانى يقدر بـ5 جنيهات، وبافتراض أن عدد وحدات الكيلو مثلاً 5 تفاحات، فعندما يقوم بتجزئة الكيلو، سيلجأ إلى بيع الواحدة بـ1.25 جنيه بدلاً من 5 جنيهات لتفادى الخسارة المتوقعة، فى حالة عدم بيع السلعة كلها، مما يرفع سعر الكيلو الفعلى إلى 6.25، ويؤدى ذلك إلى المساهمة فى رفع معدلات التضخم.
وأضاف أن انخفاض معدل التضخم يمكن أن يحدث فى حالة تطبيق التجربة بمحال الجملة، حيث تكون عاملاً مساعداً لتنشيط حركة البيع للسلع الأخرى المجاورة، وهو ما يضمن طلباً متجدداً على جميع السلع، وبالتالى يساهم فى خفض الأسعار، وخفض معدل التضخم.
وأكد أن هذه التجربة ستساهم فى ترويج منتجات شريحة كبيرة من الشباب، الذين يمتلكون مزارع صغيرة، ولا يجدون أسواقاً لمنتجاتهم المحدودة، مما يساهم أيضاً فى زيادة المعروض فى الأسواق وخفض الأسعار.
ولفت «لقوشة» إلى أن المستهلك لا يحتاج للتوعية لتنفيذ هذا السلوك الشرائى طبقاً للاحتياجات، لأن متوسطى ومحدودى الدخل فى أمس الحاجة للتوفير، بينما يمثل هذا الأسلوب سلوكاً جديداً لطبقة الأغنياء، يقلدون من خلاله المستهلك الأوروبى.
وقال اللواء محمد أبوشادى، رئيس قطاع التجارة الداخلية: إن التاجر ملزم بالبيع بالكميات التى يرغبها المستهلك وامتناعه عن البيع بأى كمية يعتبر جنحة يعاقب عليها القانون، مطالباً بضرورة التوجه إلى القطاع للتقدم بشكوى لمقاضاة التاجر الذى يرفض البيع.
وأوضح أن العادات الشرائية الموروثة لدى المستهلك المصرى، تمثل العقبة الرئيسية لتحقيق فكرة البيع حسب الحاجة، وأن فئة قليلة جداً تتبع ذلك السلوك الشرائى، وهى عادة تكون فى أوساط الطبقات مرتفعة الدخل، التى قام بعض أفرادها باستيراد هذه الأنماط من أوروبا. وتابع «أبوشادى» أن بنك الطعام المصرى يقوم بجمع مليون وجبة شهرياً من فائض الغذاء، ما يعد دليلاً على سوء العادات الاستهلاكية فى المجتمع المصرى، على حد قوله، لافتاً إلى أن عادات المستهلك المصرى تنبع من «منطلق الكرم والتفاخر»، وهى عادات لا تناسب العصر الحالى، فى ظل نقص مصادر الغذاء العالمى، وأضاف: إن تغيير نمط الاستهلاك يتطلب دوراً فعالاً من الإعلام وجمعيات حماية المستهلك لتوجيه المستهلك للترشيد.
وأعلن أحمد الوكيل، رئيس الغرفة التجارية بالمحافظة، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أن تغيير ثقافة التداول فى السلع سيساهم بشكل كبير فى حل الأزمة الحالية للأسعار، مشيراً إلى أن البداية يجب أن تتم من خلال المنتج عن طريق تغيير شكل العبوات الجديدة، حتى يتناسب مع شكل النمط الاستهلاكى الجديد للمستهلكين، وهو ما سيترتب عليه تقليل الفائض فى الاستهلاك، مؤكداً أن المشكلة الحقيقية للمستهلكين هى ضعف الدخول الذى أدى إلى ضعف القدرة الشرائية لديهم، وعدم قدرة الدولة على توفير الدخول المناسبة التى تتوافق مع الارتفاع الحالى للأسعار.
واستطرد «الوكيل»: إن الغرفة تقوم حالياً بإجراء دراسة كاملة تعرض الأساليب الجديدة لتغيير شكل التداول لعدد من السلع، حتى يتمكن التجار من البيع وتزيد القدرة الشرائية للمستهلكين، حيث ستقوم كل شعبة بتقديم أفكارها والأساليب اللازمة لتطبيقها، وستتم دراستها لعرضها على الأجهزة المعنية المسؤولة للبدء فى تطبيقها.