اضطرنى الدكتور الأديب عبد الله نصار- وأنا سعيد- أن أؤجل مقالاً أعددته للنشر اليوم، لأعلق على مقاله الذى نشره فى عدد الأحد، أمس الأول، فى «المصرى اليوم» (صفحة ١٣) تحت عنوان «صلاح منتصر ومصادره»، وقد سعدت به كثيرا وأمسكت فور قراءته القلم لأشكره على الجملة التى بدأ بها مقاله وذكر فيها متابعته «باستمتاع شديد» لحلقات فاروق الذى ظلمنا وظلمناه.
وما جاء فى هذه الجملة من أديب كبير بقامة الدكتور نصار شهادة أعتز بها وأشكره عليها، لكننى أنتقل من عبارات الثناء والمديح إلى جوهر الموضوع وتوضيح ما يلى:
1ـ إننى عند بداية الحلقات لم أتصور أنها يمكن أن تطول إلى أكثر من تسع حلقات، لكننى أدركت بعد الحلقة السادسة، كما يقول كتاب الدراما، «عظمة القماشة» التى يمثلها فاروق وعصره والأحداث الدرامية التى عاشها والعقد المختلفة التى تحكمت فى حياته، سواء كراهية الوفد التى رسخها فى داخله على ماهر وأحمد حسنين، أو عقدة عدم إنجابه ولى العهد من الزوجة التى أحبها الشعب، وعقدة الأم المفروض أنها تضحى من أجل الابن فإذا بها وبشهواتها عبء على الابن، وقبل ذلك كله عقدة أنه كان «صغيراً» فى زمن يتسيد فيه الكبار، مما أتاح وقوعه تحت تأثير الذين وجهوه حسب رغباتهم.
2ـ إن الصورة التى تسابق لرسمها لفاروق كتاب كبار مشهورون فور تنازله عن العرش، جعلته يبدو فى صورة شيطان غارق فى لياليه الحمراء وإلى درجة عتاب الكاتب الكبير محمد التابعى فى مقالات قاسية جدا كتبها فى آخر ساعة فى ذلك الوقت، لأن ثورة يوليو تركت فاروق يفلت بحياته ولم تقم «بلف حبل المشنقة حول رقبته الغليظة» كما كان يجب أن تفعل. وفى الوقت الذى تجاوز فيه الخيال الواقع لم يكن فى استطاعة قلم أن يقول حتى بالهمس إن ما يتردد ليس الحقيقة.
3ـ إن «مسلسل فاروق» الذى كتبته الأديبة لميس جابر كان بلا شك أول من لمس الحقيقة وصدم الذين تصوروا أن تاريخ مصر بدأ منذ 23 يوليو 52، واكتشفوا أن لمصر تاريخاً أعمق كثيراً وكان فيه رجال وحياة وأعمال ومواقف ووطنيون وكفاح.
4ـ إن فاروق كان بلا شك شخصية غنية بالدراما والمواقف المتناقضة، التى أغربها أنه فى الوقت الذى كان يبدو فيه لاهياً منصرفاً عن شؤون الدولة، إلا أنه كان مطلعاً على كل شؤون الدولة. فلم يمر قرار من أى حكومة دون أخذ رأيه، وكان جدول أعمال مجلس الوزراء يعرض مقدماً عليه ليستبعد ما يراه، وغير ذلك كثير.
5ـ إن فترة حكم فاروق شهدت أحداثا عالمية وإقليمية ومحلية بالغة الأهمية، منها الحرب العالمية الثانية التى وصلت فيها قوات هتلر إلى الصحراء الغربية، ومنها توحد العرب لأول مرة فى التاريخ من خلال الجامعة العربية وحرب فلسطين، ومنها سنوات كفاح الشعب للتحرر من الاحتلال الإنجليزى وحريق القاهرة، وأيضا جرائم الإخوان والاغتيالات العديدة التى ارتكبوها.
6ـ إن معظم المراجع التى تنفست الحقيقة عن عصر فاروق- ربما باستثناء مذكرات حسين هيكل باشا والرافعى- لم تظهر إلا بعد رحيل أنور السادات، وكانت عادتى أن أقتنى كل كتاب يصدر، لكننى لم أقرأ هذه المراجع جيدا إلا عندما بدأت أعد لحلقات فاروق.
7ـ اختلفت المراجع بين كتابات أكاديمية باحثة ودارسة، وبين شهود عاصروا فاروق حاول بعضهم تبييض صورة الملك فى الوقت الذى اقتربت فيه شهادة آخرين من الحقيقة، مثل كريم ثابت الذى تغلبت عليه فى شهادته الغريزة الصحفية التى مارسها قبل اختياره مستشارا صحفيا لفاروق.
8ـ لا شك أن ما كتبته الدكتورة لطيفة سالم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، وكما يدل تخصصها، من المراجع التى لا غنى عنها لمن يكتب عن فاروق، وقد عدت إلى كتبها الثلاثة التى أشار إليها الدكتور عبدالله نصار، إلا أننى عند كتابة قائمة المراجع اكتفيت بمرجع واحد لكل كاتب فيما عدا كتابى كريم ثابت، اللذين صدرا منفصلين وباعتبارهماـ فى رأيى- أقرب ما كتب عن الحقيقة. لكن هذا لا يقلل بالتأكيد من قيمة الدكتورة لطيفة، التى للحقيقة أعترف بأن الذى لفت نظرى إليها منذ سنوات بعيدة الراحل يونان لبيب رزق.
9ـ لم تكن المراجع التى ذكرتها هى كل مصادرى، بل كان هناك الكثير، ومنها الذى ترسب فى داخلى منذ سنوات دون أن أذكر اسمه، بالإضافة إلى أننى عشت كل سنوات فاروق، إذ ولدت قبل توليه العرش.
10ـ لاحظ الدكتور نصار بعين الناقد النافذة أننى بدأت الحلقات بعنوان «فاروق ظالماً أم مظلوماً»، لكننى بعد فترة جعلت العنوان «فاروق ظالماً ومظلوماً» لأننى بالفعل وجدت أن حكم فاروق جمع بين الظالم والمظلوم.
الأستاذ الدكتور عبدالله نصار: كل الشكر لأنك أتحت لى إضافة هذا المقال إلى ما سبق، وكل الامتنان للقراء الذين بفضل اهتمامهم طالت حلقات السلسلة حتى أصبحت كما كتبت لى القارئة سهام شريف «عادة عشناها وتعودنا عليها لازمنا فاروق خلالها حتى وكأنه رحل أخيراً عنا».