أستطيع أن أقول إن المهندس شريف إسماعيل كان «مذاكر».. لا يقرأ على استعجال، ولا يتلعثم، ولا يفاجأ بالكلام المكتوب، كأنه يراه أول مرة.. بالعكس.. كل شىء يدل على أنه مذاكر.. ربما كان عنده وقت كاف منذ توليه رئاسة الوزراء.. وربما كان يعرف خطورة اللحظة فاستعد لها.. وأنا شخصياً رأيته يقرأ ويكتب ويمسح بالأستيكة.. يدون الملاحظات بجدية، ولا يهمل أى شىء يسمعه أبداً!.
رئيس الوزراء على ما يبدو شخصية مجتهدة ودؤوبة.. عندما شرفت بلقائه مع كتّاب آخرين، كان معه دفتره وقلم رصاص وأستيكة.. يدون كل شىء.. وأظن أنه استطاع أن يكسب الكتاب والنواب فى صفه.. فهو أيضاً شخصية مؤدبة فوق العادة.. يعرف الحدود الفاصلة بين جميع السلطات.. ولا ينكر دور الإعلام، رغم عدم إقباله عليه.. غير أنه يعرف أهمية أن يكون «مستقلاً» ومحايداً وداعماً للدولة!.
أعجبنى البيان بشكل عام.. وقد توقفت عند مقولة إن الشعب يتحول فى لحظة من محكوم إلى حاكم يأمر ويقرر.. وأعجبنى قوله إن الحكومة تقف أمام المجلس النيابى مساءَلة ومسؤولة.. وهذا الكلام يعنى أنه جاء مستعداً للمساءلة.. وهو تغير نوعى كبير فى خطاب الحكومة، وبياناتها أمام البرلمان.. فضلاً عن أنه تحدث عن أن الحكومة تستهدف رضاء المواطن.. وهو مربط الفرس فى شغل الحكومات!.
وتوقفت بالطبع عند المحاور السبعة، من أول الأمن القومى، إلى الأمن الاجتماعى، إلى الأمن السياسى، وانتهاء بالأمن المائى.. فكرة الأمن والتأمين هنا لها دلالتها.. فهذه التعبيرات والمصطلحات لا تظهر إلا فى ساعات الخطر.. وأعتقد أن شريف إسماعيل قال ذلك بصراحة وشفافية وصدق.. وتحدث أيضاً عن خفض العجز ومعدل البطالة وكله شىء طيب.. لكن يبقى التنفيذ أولاً، وهو أهم بالطبع من أى بيان!.
فلماذا توقفت أمام مفردات الرضا، والشعب يأمر ويقرر ويحكم؟.. ولماذا توقفت عند مصطلحات تتعلق بالشفافية والصراحة؟.. أقول إن إحساس رئيس الوزراء بأن الشعب يحكم، شىء طيب، وإحساسه بأنه «مساءَل» شىء رائع.. هنا تأتى «فكرة المحاسبة» التى ناقشتها أمس، وهى تدخل فى باب احترام الدستور الذى أشار إليه، حين تحدث عن التزامه باحترام «الدستور»، فى مسألة الصحافة والإعلام!.
تلقيت نسخة كاملة من بيان الحكومة، وقبلها حصلت على نسخة من رؤية مصر 2030 وشرفت بحضور لقاء الرئيس فى إطلاق الرؤية الاستراتيجية.. وأستطيع أن أقول هناك جهد كبير يُبذل.. وهناك حرص على رضاء المواطن، وهناك إحساس بأن الحكومة فى خدمة الشعب.. وكنت حين حضرت لقاءات الرئيس أو رئيس الوزراء، أريد أن أطمئن أن هذه المعانى «حاضرة» طوال الوقت، وقد تأكدت هنا وهناك!.
يتبقى فى النهاية أن نلمس شيئاً يتعلق بتحسين الخدمات، ورفع مستوى المعيشة، وخفض العجز فى الميزانية، وقبل كل ذلك مكافحة الإرهاب.. ويتبقى أيضاً أن يكون المواطنون أمام القانون سواء، بحيث لا نرى شباباً يرفعون الكوسة أمام البرلمان.. عاوزين رئيس وزراء «مذاكر» لينجح بمرتبة الشرف، وليس بدرجة مقبول فقط!.