x

عبد الناصر سلامة «ريجينى» جرس إنذار عبد الناصر سلامة الأحد 27-03-2016 21:10


لا أعتقد أن هناك شعباً فاقد الثقة فى الجهاز الأمنى لبلاده مثلما ظهر عليه رد فعل الشعب المصرى، عقب إعلان الكشف عن قتَلة الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، الجميع يدركون أن الدولة فى مأزق حقيقى مع المجتمع الدولى، وليس مع السطات الإيطالية فقط، القضية لم تنته بعد، الموقف مُعرَّض للتصعيد فى أى لحظة ما بين البرلمان الأوروبى، وبرلمانات الدول على اختلافها، والمنظمات الدولية، حقوقية وقانونية، إلا أن كل ذلك لم يَعْنِ الشعب فى غالبيته من قريب أو بعيد.

ردود الأفعال سجلتها مواقع التواصل الاجتماعى على نطاق واسع وبوضوح، كما سجلتها بعض أقلام الكُتاب على استحياء، خوفاً من المساءلة بالطبع، أحد التعليقات تحدث عن أن جثة أخرى لـ«ريجينى» وجدتها سلطات الأمن مع متعلقاته، آخر تحدث عن أن القتيل أرشد عن القتَلة فى رسالة بخط يده وُجدت مع المتعلقات أيضاً، ثالث تحدث عن قيام جهاز الشرطة بتحضير روح «ريجينى» التى اعترفت على القتَلة، رابع تحدث عن أن شرف المهنة هو الذى جعل اللصوص لا يفرطون فى متعلقاته، بل لا ينفقون مبلغ المال الخاص به، خامس طرح حلاً يرى أنه الأمثل، وذلك بالضرب على قفا أى شخص يتم اختياره ليعترف أنه «ريجينى»: «قول أنا ريجينى ياد»!، وإسقاطات أخرى كثيرة حول سر احتجازه لدى اللصوص، وتعذيبه، ووجود قطعة المخدرات، إلى غير ذلك من مُضحكات مُبكيات.

هكذا وجدت السخرية والكوميديا طريقها إلى الحدث بمجرد الإعلان عنه، فيما يشير إلى أن العملية من وجهة نظر الرأى العام كانت إخراجاً هزيلاً وضعيفاً، لا يرقى إلى إمكانيات جهاز بحجم أجهزتنا الأمنية، التى دأبت فى السابق على إنتاج وإخراج وحوارات وسيناريوهات، أعقل وأفضل وأقوى من ذلك بكثير، إلا أنها لم تفرق هذه المرة بين إخراج فيلم للعوام فى مصر، وآخر للمتخصصين الرومان، بل الأوروبيين بشكل عام.

الجديد أن العوام فى مصر بدا أنهم أصبحوا أكثر خبرة فى التعامل مع مثل هذه المواقف من المتخصصين الدوليين، كما هو واضح من التعليقات، ذلك لأن الصحف الإيطالية التى خرجت تشكك فى البيان الأمنى، لم تخرج عن التعليقات السريعة للمواطنين المصريين، بل بدا أنها اعتمدت عليها بالدرجة الأولى، فتناقلتها نصاً، بل إن موقف الإيطاليين كان سيصبح غريباً ونشازاً، إذا تجاوب مع الموقف الرسمى المصرى، وصدَّق عليه، فى الوقت الذى يشكك فيه شعب مصر، وهو نفس رد الفعل الذى قوبل به تراجع «الداخلية» عن بيانها الأول، فيما بدا أكثر غرابة، وزاد الموقف سوءاً فى الداخل والخارج على السواء، وجعل من الصعب التجاوب مع أى جديد، حتى لو كان صدقاً هذه المرّة.

نحن إذن أمام قضية أخطر بكثير من القضية الأساسية المتعلقة بالقتل، وهى قضية الاصطفاف الوطنى، ليس فى الظروف الطبيعية، وإنما على الأقل فى المواقف الحرجة، التى تتطلب أن يكون الشعب، أى شعب، على قلب رجل واحد، خلف قيادته، أو خلف سلطات بلاده، يجب أن نتوقف كثيراً أمام هذه الحالة التى جعلت المواطن لا يأبه بإدانة بلاده، أو فرض عقوبات دولية عليها سوف تضر به وبأبنائه وذريته بالتأكيد، هذه الحالة تشير، بل تؤكد أن هناك شيئاً ما خطأ، لابد من تداركه على الفور، الخطأ هنا يتعلق بغياب الانتماء، بمعنى أصح: حالة الضياع التى يعيشها المواطن حالياً.

يجب أن نناقش الأمر من كل جوانبه، بشفافية مطلقة، دون خجل، وإلا فنحن كمن يحرث فى الماء، يجب أن نعترف بأن المواطن الآن فى حالة ارتباك وتردد تجاه كل شىء تقريباً، الأمر خرج عن العلاج بالقرارات السياسية والاقتصادية إلى علم النفس والاجتماع، الأمر أصبح يحتاج إلى علاج على كل الأصعدة، من الصعب أن يرى المواطن، أى مواطن، أن الوطن ليس وطنه، وطن فئة قليلة تعيش كما يحلو لها، وفئة عظمى تعيش على الفتات، فئة جنرالات وفئة رعايا، فئة غنى فاحش، وأخرى تبحث فى القمامة، وعود ومزيد من الوعود، دون جديد على أرض الواقع، انهيار اقتصادى ومالى واجتماعى وتعليمى وعلاجى، مع أحاديث بالفخر تصل إلى عنان السماء.

لنبدأ الوضع الراهن بالبحث فى المسألة الشرطية والأمنية بالدرجة الأولى، يجب أن نعترف بأمراضنا ونبدأ العلاج فورا، الشعب بأكمله سوف يسدد، يوماً ما، فاتورة تجاوزات فئة ضالة، نصَّبت من نفسها أوصياء على المجتمع، لم تعد أساليب شرطة الستينيات، ولا أمن دولة السبعينيات، ولا تحريات الثمانينيات، ولا كوماندات التسعينيات، تصلح لعصرنا الحالى، عصر الإنترنت فى أوج صوره، تصوير الرشاوى على الهواء، والتعذيب لحظة بلحظة، والقبض والاعتقال والتجاوزات حالة بحالة، لم يعد جائزا التعامل مع حالة تجاوز بكفر أطاليا، على سبيل المثال، بنفس طريقة التعامل مع مثيلاتها من جمهورية إيطاليا.

حسب معلوماتنا، أن الرئيس خلال لقائه بمجموعة المثقفين الأخيرة، اعترف بالفساد فى المنظومة الشرطية، إلا أنه قال: «إن التوقيت لا يسمح الآن بمواجهة الفساد، ليس فى الشرطة فقط، وإنما فى كل المؤسسات»، أعتقد أنه من المهم جداً إعادة النظر فى هذا التصور، الثمن سوف يكون فادحاً فى المستقبل، بل سوف يصبح مستحيلاً تدارك الأمر، انتبهوا أيها السادة، «ريجينى» مجرد جرس إنذار.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية