x

فاطمة ناعوت لقاء الرئيس الذى لم أحضره فاطمة ناعوت الأحد 27-03-2016 21:13


ليس جديدًا أن يُكرّمَ الأديبُ فى أصقاع الأرض كافّة، ويُقدّم للمحاكمة، أو يُسجَن، داخل بلاده. أمرٌ يحدث كلّ يوم وفى كل مكان. وأنا فى طريقى الآن إلى تورنتو بكندا للتكريم، ستكونُ المرةَ الأولى التى لا أشارك فيها فى لقاء الرئيس السيسى بالمثقفين منذ أصبح رئيسًا لمصر، وحتى قبل أن يتقلّد مقاليد الحكم أثناء حملته الانتخابية. لم أتلقَّ دعوة للمشاركة هذه المرة ربما لسفرى، وربما لأن جيلى كلَّه قد تغيّب عن هذا اللقاء الذى لم يحضره إلا الرعيلُ الأول من الأدباء والكتّاب الكبار، وربما لأن لدىّ حكمًا ابتدائيًّا بالسجن سنواتٍ ثلاثًا بسبب بوست صغير كتبتُه على صفحتى بفيس بوك ينتقد الوحشية اللاشرعية التى تُقدّم بها الأضحيةُ فى عيد الأضحى على غير ما سنّ الشرعُ من رحمة وترقٍّ فى تجهيز الذبيحة للنحر.

لو كان الظرفُ غير الظرفِ وحضرتُ هذا اللقاء، ما كنتُ لأحدّث الرئيسَ فى أمرى الشخصى، كعادتى فى عدم خلط العام بالخاص، حتى وإن كان ذاك الخاصُّ قضيةً عامّة تمسُّ حرية التعبير التى كفلها الدستور لى ولسائر مواطنى مصر، ما لم تُفضِ تلك الحريةُ إلى نشر العنف أو إشاعة العنصرية أو الخوض فى الأعراض. لو كنتُ حضرتُ ذلك اللقاء لكنتُ تكلّمتُ، مثلما فعلتُ فى لقاءاتى السابقة معه، عن قضية التعليم التى تؤرّق ليلى ونهارى، إذْ أراها المبتدأ والمُنتهى فى حلّ مشاكل مصر كافة. بدءًا من مشاكلها الاقتصادية وانتهاءً بمشاكلها الاجتماعية، ومرورًا بمشاكلها الصحية والسياسية والفكرية والطائفية والأخلاقية والثقافية والإنتاجية. وهل أكونُ وقتها قد نأيتُ عن مشكلتى الخاصة أنا وغيرى من الأدباء والمفكرين الذين حُوكموا وسجنوا وقُتلوا بسبب آرائهم التى قد تُصيبُ أو تخطئ؟! كلا! ما نأيتُ. فالتعليمُ الجيد هو الذى يعلّم المواطنَ أن يقرأ دستورَ بلاده فيعرف أنه إنسانٌ حُرٌّ ما لم يضرُّ. التعليمُ الجيّد يجعله يدرك أن حرية التقاضى لها معاييرُ وشروطٌ وليست «سداحًا مداحًا» يتم استغلالها للكيد فى مثقف لا تتفقُ آراؤه مع آرائنا. التعليم الجيد يجعلنا نتعلم أن ثراء المجتمعات يكون بثراء أفكار أبنائها وتعدّد رؤاهم، وليس بأن نكون دُمىً مربوطة فى خيوط يحرّكنا شخصٌ واحد ويحقن أدمغتنا بفكرة واحدة. التعليم الجيّد سيجعلنا نفهم عبقرية مقولة: «دعْ ألفَ زهرةٍ تتفتّح»، لأن جمال الحديقة لا يكون إلا بتنوّع الزهور شكلًا وحجمًا ولونًا، «ولو شاء اللهُ لجعلكم أمةً واحدة». التعليمُ الجيّد يجعلُ الإنسانَ يفهم أن الله خلقنا أحرارًا؛ عبادًا لا عبيدًا؛ لكى نترقّى ونتهذّب ونكون صورة ممتازة لأرقى خلقه فنرحم المستضعفين ولا نقسو على حيوان أو طير فنعذّبه بعد ربطه وهو يجود بروحه من أجل أن تشبع بطوننا. التعليم الجيد سيجعلنا على دراية حقيقية بتاريخ سلفنا الصالح فنحذو حذوهم الشريف، نُحيى أمجادهم ونتحضّر ونقود العالم نحو العلم والنور والحضارة. التعليم الجيد هو الذى سيجعلنا ندرك أن القانون الذى يخالف الدستور لا يُعوَّل عليه، فلا يجنحُ مواطنٌ لمقاضاة مواطن بمادة قانونية هزيلة تتنافى مع دستور البلاد، بل تتنافى مع أبسط مفردات المنطق.

فى لقائى الأخير بالرئيس عبدالفتاح السيسى ضمن وفد الأدباء والمثقفين قلتُ له بالحرف: «التعليم يا ريّس، الثقافةُ، كيف بوسعك أن تساعدنا لنجعلها مشروعًا قوميًّا؟»، فأجاب بالحرف: «أنتم يا أستاذة فاطمة ضميرُ هذا الوطن، انطلقوا وأشيعوا الثقافة والتنوير وأنا فى ظهركم». أولى مبادئ إشاعة الثقافة يا ريّس هى أن يعبّر كلُّ مثقف عما فى رأسه من أفكار تنويرية دون خوف من محاكمة أو سجن، ثم تُقارَع الفكرة بالفكرة، حتى نخلق حالًا من العصف الذهنى الذى به تتقدم المجتمعات. شكرًا على توجيهك للبرلمان بسنّ قانون يحمى الدستور ويحمينا من تغوّل الغُلاة.

Twitter: @FatimaNaoot

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية