ماذا لو لم يتمّ تعديل، أو إلغاء، مواد القانون الجنائى المصرى التى لا تتوافق مع الدستور الجديد 2014؟ ماذا لو تقاعس البرلمانُ المصرى عن تنفيذ هذا الأمر البديهى؟ هل نلغى الدستور؟
اختاروا الآن بين أمرين لا ثالثَ لهما، فالثالثُ مرفوعٌ بأمر المنطق والحق. إما قانونُ ازدراء الأديان، أو الدستورُ المصرى. الجمعُ بينهما هو جمعٌ حرامٌ وجِماعُ سفاحٍ غير شرعى. كيمياؤهما معًا Don’t Mix. الأمرُ الآن بات صراعًا واجبًا وعاجلاً وماسًّا بين: حقٍّ وباطل. بين جِدٍّ وهزل. بين ثورة ولا ثورة، بين منطق وعبث. اختاروا ما تشاءون من بين تلك الأضداد، حتى تستقيم حياتنا، ولكن لا توقعونا فى براثن الحيرة والشتات والمتناقضات. اختاروا العبثَ إن أردتم، وسوف نسير معكم على دربه طائعين، ولكن نحُّوا المنطقَ جانبًا حتى لا يُعثِرَنا. اختاروا الهزلَ إن شئتم، ونحن معكم على دربه المعوجّ، ولكن أميطوا الجِدَّ عن طريقنا حتى لا نتعثّر به. اختاروا النكوصَ على الثورة لنعود إلى لحظة ما قبلها، ولكن أغربوا عن وجوهنا صور الشهداء يقطر الدم من عيونها يُذكّرنا بدموع أمهاتهم التى لا تجفُّ، وأعيدونا لأرض الفساد والبلادة والتجارة الدينية وتكسير عظام مصر، ونحن معكم فى خياركم حتى ننسى الثورة بأفراحها وأتراحها ومغانمها وخسائرها، ونعاهدكم ألا نُعيد الكرّة ونثور، مهما تكاثفت فوق رؤوسنا غيوم الويل والقهر والفقر. اختاروا أن نعيش فى الباطل، وسوف نُلبّى صاغرين، شريطة ألا تلوّحوا أمام عيوننا برايات الحقّ بعد اليوم، ولو من باب التطهّر وغسيل الروح.
فإن كانت ثورة 30 يونيو 2013 حقًّا، وهى حقٌّ، فإن كلَّ ما استتبعها من نتائجَ واستحقاقاتٍ هو حقٌّ بالتبعية. والدستورُ المصرى الجديد 2014 هو الاستحقاق الثانى وأهمُّ ما أنتجته ثورتُنا الشعبية الهادرة التى حشدت الملايين فى ميادين مصرَ لإسقاط حكم الإخوان وعزل مرسى العياط، الذى اغتصب مصرَ فى غفلة من الزمان ومن مصر ومن المصريين. الدستور الذى أنتجته عقولٌ مصرية نابهة واعية أدركت بحسّها السياسى والفكرى الرفيع نبضَ الشارع المصرى ولامست أحلامه وقبضت على أطراف طموحه نحو التغيير. إنه الدستور الذى أقسمنا على الولاء له، وهدر المصريون فى طوابير طولى للتصويت عليه بالموافقة، فارتضيناه حاكمًا ومُشرّعًا وضابطًا لإيقاع حياتنا ومُنظّمًا لشؤون معيشتنا وعلائقنا كمجموعة من البشر يعيشون فى بقعة أرض واحدة يظلِّلهم علمٌ واحد هو علم الدولة المصرية.
قد أُسجن بعد أسبوعين فى جلسة الاستئناف على الحكم يوم 31 مارس الجارى، رغم أن دستور بلادى يحمينى. لكن يومًا قريبًا بإذن الله، سوف تحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة (98 و) من قانون العقوبات المصرى، المعروفة بقانون ازدراء الأديان، وهى المادة التى قُدّمنا بموجبها للمحاكمة رغم «عدم» دستوريتها. ويومًا قريبًا سوف تنجح مساعى البرلمانية المحترمة، د. آمنة نصير، أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر، فى أن يُلغى هذا القانون العبثى المُشوّه لتاريخ مصر والمسىء لسمعة مصر. قد يأتى هذا اليومُ الطيب غدًا أو بعد عام، أو بعد ألف عام. قد أشهده وأنا فى ظُلمة السجن، أو بعدما أستردّ حريتى. وربما لا أشهدُه أبدًا لو انتهى أجلى فى عتمة السجن قبل ذلك، لكن ذلك اليوم آتٍ لا ريب فيه. وقتها فقط سيهون علينا ما لاقينا من عذاب وتنكيل وخوض فى الضمائر. لأن مصر وقتها سوف ترفع رأسها عاليًا من جديد كدولة عريقة صنعت التاريخ وابتكرت الفكر والإبداع وحَمَت التعددية الفكرية. احترموا مصر واحترموا دستور مصر، بل احترموا الأديان ووقِّروها، بحذف قانون ازدراء الأديان.
Twitter: @FatimaNaoot