يعتبر أشرف غريب من الباحثين فى تاريخ السينما المتميزين بالدقة فى تحقيق المعلومات، خاصة فيما يتعلق بكتابة حياة النجوم، وقد أصدرت دار الشروق مطلع 2016 الكتاب الجديد للباحث تحت عنوان «الوثائق الخاصة لليلى مراد».
هذا هو الكتاب الخامس فى حدود معلوماتى عن الفنانة والنجمة الكبيرة بعد كتاب صلاح طنطاوى عام 1979، وكتاب رفيق الصبان عام 1992، وكتاب صالح مرسى عام 1995، وكتاب حنان مفيد عام 2003، وقد دهشت من العنوان لأنه من البدهى أن يعتمد أى بحث فى التاريخ على الوثائق، والكتاب الجديد إضافة حقيقية إلى «مكتبة ليلى مراد».
يشير المؤلف فى كتابه إلى أنه حال دون احتفال مكتبة الإسكندرية بمئوية ميلاد ليلى مراد عام 2008، وقد اتصل بى فى ذلك العام باعتبارى مستشار المكتبة لشؤون السينما، وتم إيقاف الإعداد للاحتفال بناءً على مكالمته، ولكن لابد هنا أن نذكر أننا لم نخترع هذا التاريخ، وكان مرجعنا دليل جاك باسكال طبعة 1954، ووثائق الكتاب تذكر مدة سنوات لميلاد الفنانة (1916 و1918 و1919 و1921)، ونتفق مع الباحث أن الأرجح 1918 من واقع الفيلم الأول الذى صورته عام 1937 «يحيا الحب»، أو ما يمكن وصفه التسنين بالأفلام، وأن هناك خطأ مطبعياً فى دليل باسكال.
يوثق الكتاب «قضية» ليلى مراد (1918-1995) بالتفصيل، والتى بدأت بقرار مكتب مقاطعة الفنانين المؤيدين لإسرائيل، التابع لجامعة الدول العربية فى دمشق بمقاطعة ليلى مراد فى سبتمبر 1952 بدعوى أنها قامت بزيارة إسرائيل وتبرعت لها بخمسين ألف جنيه مصرى، وبالطبع استند القرار إلى أنها كانت يهودية حتى أشهرت إسلامها عام 1947، تطبيقاً للشعار الفاشى «كل يهودى عدو للعرب حتى يثبت العكس»، والفكرة الفاشية «كل يهودى يظل يهودياً حتى لو تحول إلى المسيحية أو الإسلام»!
وبعد أقل من شهر، أصدرت إدارة الشؤون العامة فى الجيش المصرى بياناً رسمياً، جاء فيه «بعد تحريات جهات الاختصاص تبين أن السيدة ليلى مراد لم تسافر إلى إسرائيل، ولا صحة لما نشر عن تبرعها لحكومة إسرائيل بأى مبلغ»، وقد صدر هذا البيان بتوقيع قائد الجناح وجيه أباظة، الذى تزوج ليلى مراد بعد شهور عام 1953، وأنجبا ابنهما أشرف فى نفس العام، وطلقا عام 1954، واللافت أن آخر أفلام ليلى مراد كان «الحبيب المجهول» عام 1955، وأنها لم تمثل أو تغن فى أى فيلم طوال 40 سنة تماماً حتى وفاتها عام 1995.
وقد قيل دائماً إن ليلى مراد اعتزلت وهى فى قمة المجد حتى تحافظ على صورتها، ويشك أشرف غريب فى هذا الاعتزال، ويرى أنها عُزلت، والدليل على ذلك استمرارها فى الغناء فى الراديو، وقبولها أكثر من مشروع فيلم لم يتم، ونشر أكثر من حوار معها أبدت فيه رغبتها فى العودة، وبقدر ما أتفق مع الباحث فى أنها عُزلت ولم تعتزل، بقدر ما أختلف معه فى أن السبب هو تأييدها للرئيس محمد نجيب فى الصراع الذى نشب بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر!
الفنانون فى مواقفهم السياسية ما بين مؤيدين لما يبدو أنه رأى الغالبية من الشعب بدوافع وطنية أقرب إلى الفطرة البسيطة، أو مسيسين حزبيين ومستقلين، وكانت ليلى مراد من النوع غير المسيس، لقد عُزلت ليلى مراد بسبب ديانتها الأصلية اليهودية ولا شىء آخر، نعم، لقد كانت نجمة السينما الأولى من دون منافس من 1945 إلى 1955 وهى يهودية، وتزوجت أنور وجدى عام 1945 وهى يهودية، ولكن كان ذلك فى العصر الليبرالى الذى انتهى مع ثورة الجيش عام 1952 وحل الأحزاب السياسية عام 1953.
اختارت ليلى مراد أن تكون مسلمة بكامل إرادتها عام 1947، واختارت أن تكون مصرية بكامل إرادتها عام 1948 عندما وجهت إليها الدعوة من إسرائيل لتكون إسرائيلية بحكم أصلها اليهودى، وقرار مكتب دمشق، سواء كان وشاية من أنور وجدى بسبب الخلافات المالية وغير المالية بينهما، أو بوازع الغيرة المهنية أو التنافس بين الشركات، لم يكن ليصدر من دون مناخ الصوت الواحد، والشك فى اليهودى لمجرد أنه يهودى، حتى لو غيّر ديانته.
ثم من قال إن مكتب المقاطعة احترم بيان الجيش المصرى ورفع اسم ليلى مراد من قوائم الفنانين الممنوعين، وهل كان من الممكن إنتاج أفلام جديدة لها وهى ممنوعة فى كل الدول العربية؟، الإجابة من وثائق مكتب المقاطعة، الذى لايزال قائماً، والإجابة أيضاً فى طلاقها من وجيه أباظة بعد أقل من عامين، وهو الذى أوكل الجيش إليه مسؤولية السينما بعد ثورة 1952. لقد دفعت ليلى مراد ثمن غياب التعدد باهظاً.