لا أعتقد أنه بقى في مصر الآن من يتمنى أن يصبح وزيراً.. يعنى انتهى عصر «عبده مشتاق»، وهى الشخصية التي ابتدعها العبقرى أحمد رجب، وأجاد تصويرها بريشته بكل براعة الفنان مصطفى حسين.
وربما كانت هذه الشخصية موجودة في الزمن الجميل، عندما كان الوزير يعمر طويلاً في المنصب الوزارى.. وينعم بالكرسى ولقب معالى الوزير.. وكشك الحراسة أمام باب البيت.. والسيارة الرسمية والبودى جارد.. ثم المعاش المالى، بعد ذلك، وعرفت مصر وزراء عمروا في الوزارة سنوات زادت على عشرين عاماً.. وربما أكثر.
أما الآن فلا أحد يحلم بالمنصب الوزارى، لأن عمر الواحد منهم- في الوزارة- لم يعد يُحسب بالسنوات بل بالشهور، والجدع منهم من يكمل عاماً في موقعه الوزارى، حتى إننا الآن لم نعد نحفظ أسماء الوزراء من كثرة التغييرات والتبديلات.. حتى إن هناك- في السنوات الأخيرة- من يحسب عمره في الوزارة يحسب إلا بالأسابيع!! فهل هناك الآن في مصر من يسعى إلى لقب معالى الوزير.. وبالتالى اختفت تقريباً ظاهرة اسمها «عبده مشتاق»، بل هناك من يردد الآن: وإيه يعنى منصب الوزير!! لماذا؟ لأن الشتائم واللعنات، بكل أسف، تنهال على هذا الوزير أو ذاك، بعد أن زالت السدود، وتساوت الرؤوس.. حتى الإعلام الرسمى لم يعد يمنح الوزير الاهتمام- وربما الاحترام- الذي يستحقه، فما بالنا بالصحف المستقلة والحزبية، وما أكثر هذه أو تلك، فضلاً عن القنوات الفضائية وبرامج التوك شو التي أصبحت تلاحق الوزراء في أي وقت من النهار أو الليل، ويا ويله من يحاول التهرب من هذه القنوات، أو من مقدمى هذه البرامج الحوارية وما أكثرهم وأكثرها.. ولن أنسى أحد مقدمى البرامج المشهورة وهو يقول لفريق إعداد البرنامج، «هات لنا يا سيدى هذا الوزير.. خلينا نخلص»!!
والوزير إذا تم تغييره، حتى وإن كان قد حقق نجاحاً، سرعان ما يتوارى في الظل، فقد ذهب عنه بريق المنصب، وربما لهذا السبب عدّلت الدولة نظام معاش الوزراء، إذ كان الوزير قديماً لا يحصل على معاش وزير إلا إذا قضى في المنصب عدداً معيناً من السنوات.. ووفقاً للتعديل أصبح الوزير عندما يتحول إلى «وزير سابق» يحصل على معاش الوزير حتى وإن لم يستمر في المنصب إلا عدة أسابيع!! يعنى لا يبقى في المنصب إلا أقل القليل.. ثم لا يحصل على معاش الوزير.. يعنى خسارة في كل الاتجاهات.
وبسبب «قصر عمر» أي شخص في موقعه وزيراً، نجد الآن من يرفض تولى منصب الوزير.. ويتكرر الرفض مرة ومرات عند إجراء أي تعديل وزارى، أو تغيير الحكومة كلها.. حتى في الوزارات السيادية المعروفة مثل الخارجية والعدل والمالية والدفاع، فالكل يخضع للتغيير.. وفى حكومات ما قبل يوليو 1952، لأن الوزير كان سياسياً، كنا نجد الوزير يذهب ويعود.. وتتكرر هذه العملية مرات عديدة.. سواء كانوا وزراء أو حتى رؤساء وزارات.. حتى إن مصطفى النحاس باشا تولى رئاسة الوزراء سبع مرات بين عامى 1928 ويناير 1952، وحسين سرى باشا خمس مرات، وكذلك على ماهر باشا أربع مرات، وبعد ثورة 1952 تولى جمال عبدالناصر رئاسة الوزارة ست مرات، والدكتور محمود فوزى أربع مرات، وممدوح سالم خمس مرات.
أما في عهد الرئيس الأسبق مبارك، فإن من ترك المنصب «وزيراً أو رئيساً للوزراء» لم يعد إليه أبداً!! رغم أننا وجدنا من الوزراء من عمَّر في منصب الوزير حوالى 20 عاماً.. بل رئيساً لمجلس الشعب، وأبرز هؤلاء كان وزير الثقافة فاروق حسنى، وصفوت الشريف وزير الإعلام.. والمهندس حسب الله الكفراوى الذي ظل وزيراً لمدة 14 عاماً.
■ ■ أما الآن.. فكم رأينا من حكومات ورؤساء حكومات.. وبالتالى وزراء لا يعودون إلى المنصب إلا نادراً، وبالتالى فقد المنصب بريقه وشهرته، وبسبب ذلك.. وغياب «الحصانة الوزارية» وتعرض المسؤول الوزارى الآن إلى المطاردة: من الجمهور قبل الإعلام، فإن كثيرين يرفضون المنصب الآن خشية من بطش الإعلام الذي لم يعد يرحم أو يسمح بالخطأ ولو كان صغيراً..
ورغم كل ذلك، فإننا نجد الآن- بعد أن كثر الحديث عن التعديل الوزارى المرتقب- من يحاول تلميع نفسه.. فيزيد من نشاطه وينزل إلى الشارع ليراه من بيده القرار.. ليطول عمره في الوزارة.