ينبغى أن يكون يوم 15 مارس من كل عام عيدًا وطنيًا.. عيد الاستقلال.
(1)
لقد استقلتْ مصر فى 15 مارس 1922.. ولا يجوز أن تحتفلَ بلادنا بذكرى ثوراتٍ ولا تحتفل بذكرى الاستقلال.
إن أيام 23 يوليو و25 يناير و30 يونيو هى أيامٌ مجيدةٌ فى تاريخ بلادنا.. ولكنها جميعًا تشير إلى سقوط أنظمةٍ كان ينبغى أن تسقطْ، ولا تشير إلى استقلالِ وطنٍ كان ينبغى أن يستقلّ.
(2)
لقد سبقَ أن اجتهدتُ واقترحتُ فى مقالٍ سابق لى فى «المصرى اليوم» باعتبار يوم 28 فبراير يوم الاستقلال.. وهو اليومُ الذى صَدَرَ فيه تصريح 28 فبراير الذى انتزعتْ به مصر الاستقلال. ولكننّى اليوم أرى أن ذلك ليس مناسبًا.. وأن الأنسب هو يوم 15 مارس.. بعد أسبوعيْن تقريبًا من تصريح 28 فبراير 1922.. حيث أصبحتْ «المملكة المصرية» دولةً مستقلةً.
وربّما يتوجّب هنا أن أعيد سطورًا سابقةً.. كانت ضمن اجتهاداتٍ طرحتها فى دعوتى لتأسيس «حركة المؤرخين الجُدد».
(3)
زرت عدة بلدان أوروبية فى مناسبات مختلفة.. وكان من حظى أنى حضرت احتفال عيد الاستقلال فى هذه البلدان، حيث يبتهج الناس جميعاً بيوم وطنى، لا اختلاف فيه ولا خلاف عليه.
فكرت فى بلادنا.. لماذا لا تحتفل مصر بعيد الاستقلال؟ وجدت السؤال غريباً تماماً.. «عيد الاستقلال فى مصر!».. إننى لم أسمع فى حياتى تلك العبارة الرائعة. لقد سمعت عن عيد الثورة وعيد الجلاء وأعياد النصر.. أما عيد الاستقلال فلا..
وفى سفريات أخرى كان من حظى أنى حضرت احتفالات السفارات المصرية بعيد ثورة يوليو، إنه العيد الرسمى للبلاد، وهو الاحتفال الرسمى الرئيسى الذى تقيم فيه سفاراتنا أكبر احتفالاتها، ويلقى فيه رئيس الجمهورية أهم خطبه.
وقد فكرت طويلاً فى يوم 23 يوليو، وأنا واحد ممن يحترمون ويؤيدون الثورة المجيدة.. هل يصلح يوم 23 يوليو ليكون اليوم الوطنى لمصر؟.. تقديرى: لا، إنه فى نهاية المطاف حدث سياسى داخلى يختص بتغيير نظام الحكم.. هو يوم جاء نتيجة صراع بين قوى سياسية عديدة، كانت الغلبة فيه للرئيسين ناصر ونجيب ومن معهما.
(4)
لدى شكوك واسعة فى صلاحية هذا اليوم لهذا الشأن العظيم، وتقديرى أن اليوم الوطنى لمصر ينبغى أن يكون يوم 15 مارس من كل عام.. إنه يوم الاستقلال فى مصر.
إن تصريح 28 فبراير 1922 هو الذى أنهى الحماية البريطانية على مصر، وأعلن مصر دولة مستقلة ذات سيادة فى 15 مارس 1922، وقد جاءت ثورة يوليو 1952 على بلد استقل قبل ثلاثين عاماً.. وكانت فيه حكوماته وسفاراته وأحزابه ونوابه.. وفيه العلم والنشيد.
سيقول البعض إن تصريح 28 فبراير هو تصريح غير مشرف، بل هو منحة من بريطانيا، لا يليق الاحتفال به.. وهذا رأى غير صائب، ذلك إنه تصريح يشرف كل المصريين، وهو ليس منحة من المحتل، بل هو نتاج ثورة عظيمة هى ثورة 1919، ونتاج جهد نخبة وطنية رفيعة، يتصدرها زعيم عظيم هو سعد زغلول.
لقد جاء تصريح فبراير بعد أن خاض الشعب معركة الاستقلال، وذهب ممثلوه إلى مؤتمر الصلح، ولما خذلهم الرئيس ويلسون ومعه المؤتمر، عادوا للكفاح حتى تكلل بالنجاح، وأصبحت مصر دولة مستقلة ذات سيادة فى 15 مارس 1922.
سيقول آخرون: إنها سيادة ناقصة، حيث بقيت لبريطانيا أسباب وأشكال عديدة للبقاء، وهذا قول صحيح.. ولكن نقصان السيادة لا يلغى السيادة. إن أوروبا تمتلئ الآن بالقواعد العسكرية الأمريكية، وفى اليابان يكاد الجيش الأمريكى أن يكون محتلاً.. وفى طوكيو وحدها ست قواعد عسكرية أمريكية.. لكن أحداً لم يقل إن هذه البلدان محتلة.
ثم إن الشعب المصرى العظيم أكمل فيما بعد مسيرة التحرير حتى جلاء آخر جندى بريطانى، ثم إسرائيلى.
(5)
الصافى إذن.. أن يوم 15 مارس من كل عام هو يوم الاستقلال فى مصر، فهو نتاج ثورة عظيمة، وهو أساس دستور عظيم، وحقبة زاهية من تاريخ الوطن.
إن يوم 15 مارس هو يوم الاستقلال فى مواجهة الاحتلال، أما يوم 23 يوليو فهو يوم الثورة فى مواجهة السلطة.. ومواجهة الاحتلال أولى بالاحتفال.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.