x

صلاح عيسي التقاليد الدستورية.. والتقاليع الحكومية! صلاح عيسي الجمعة 18-03-2016 21:19


فى زحام المناقشات والتعليقات والقضايا التى أثارها قرار المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بإقالة المستشار أحمد الزند، وزير العدل السابق، والتى اتسعت لتشمل أموراً شرعية وأخلاقية وسياسية، لم يتوقف سوى قليلين عند الأساس الدستورى الذى بُنى عليه هذا القرار، فى ضوء السوابق التاريخية التى تؤكد أن كل قرارات إقالة الوزراء، فى العهدين الملكى والجمهورى، كانت تصدر إما بأمر ملكى أو بقرار جمهورى، بينما انفرد المستشار أحمد الزند بأنه أول وزير يقال من منصبه بقرار من رئيس الوزراء، وليس بقرار من رئيس الدولة، الذى هو رئيس الجمهورية.

وفى تفسير هذا الإجراء، ذهب البعض إلى أن التعديلات الدستورية لعام 2014 انفردت عن كل الدساتير والتعديلات الدستورية السابقة بخلوها من النص الثابت فيها جميعاً بأن الملك أو رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم، واستبدلت به نص المادة 174 منها، الذى يقضى بأنه إذا تقدم رئيس الوزراء باستقالته وجب أن يقدمها إلى رئيس الجمهورية، وإذا تقدم أحد الوزراء باستقالته وجب تقديمها إلى رئيس مجلس الوزراء، وقياساً على ذلك فإن قرار إعفاء الوزير يدخل فى نطاق سلطة رئيس الوزراء، كما يدخل تقديم الاستقالة فى هذا النطاق.

وهو قياس يثير الجدل، إذ هو يتجاهل الفارق بين استقالة الوزير وإقالته، وبين مجرد تسلم الاستقالة، الذى يدخل فى نطاق سلطة رئيس الوزراء، وقبولها الذى لم تشر المادة 174 من الدستور إلى أن هذا القبول يدخل فى نطاق سلطته، وربما لهذا السبب حاول قرار رئيس الوزراء بإعفاء وزير العدل، أن يتهرب من هذا الجدل الدستورى فلم يشر فى ديباجته إلى رقم المادة الدستورية التى استند إليها، اكتفاءً بالإشارة إلى الدستور دون تحديد المادة، واستند فى هذه الديباجة إلى موافقة رئيس الجمهورية على إعفاء الوزير، فى حين أن المادة 174 لم تشر إلى أى دور لرئيس الجمهورية فيما يتعلق باستقالة الوزراء، ولم تشر إلى أى دور له أو لرئيس الوزراء فيما يتعلق بإقالتهم.

ولو أن من بيدهم الأمر، أو مستشاريهم القانونيين، كانوا قد تنبهوا إلى المطلب الدستورى الذى وضعهم فيه رفض المستشار أحمد الزند تقديم استقالته، لأن تقديمها - فى تقديره - ينطوى على اعتراف منه بذنب لم يرتكبه، ومع ذلك فقد اعتذر عنه، لانتظروا التعديل الوزارى الوشيك ليستبدلوا الوزير بغيره، من دون حاجة إلى إقالة لا يوجد فى الدستور نص ينظمها، أو يحدد الجهة صاحبة السلطة فى اتخاذ قرار بها.

ولو أنهم كانوا قد عادوا للسوابق الدستورية، لاتبعوا التقليد الذى حدث عام 1942، عندما أراد رئيس الوزراء مصطفى النحاس أن يقيل وزير المالية مكرم عبيد بسبب خلاف بينهما، فرفض الملك فاروق واعتبر ذلك قسوة لا مبرر لها، واقترح عليه أن يتقدم باستقالة الوزارة، وسوف يكلفه بإعادة تشكيلها، فيفعل ذلك بعد استبعاد مكرم، لأنه لا حاجة للمساس بكرامته.. وذلك ما كان.

وبهذه المناسبة غير السعيدة، أريد أن أكرر التحذير من أن تقع الحكومة فى مطب دستورى وشيك، وأن أعيد التأكيد على ما نُشر فى هذا المكان منذ أسابيع حول ضرورة أن تقدم حكومة المهندس شريف إسماعيل استقالتها على أن يعيد رئيس الجمهورية تكليفه بتشكيل الوزارة برئاسته، قبل أن تتقدم ببرنامجها إلى مجلس النواب لتحصل على ثقته.

ما يدفعنى إلى ذلك أن كل ما يُنشر فى الصحف منذ شهور يؤكد أن الحكومة سوف تستمر فى تحمل المسؤولية الوزارية، وأنها سوف تقدم برنامجها - الذى شرعت فى إعداده أثناء إجراء انتخابات مجلس النواب - إلى المجلس، لكى تحوز ثقته، من دون اعتداد بالتقاليد البرلمانية المستقرة فى مصر، التى تقضى بأن تقدم الحكومة القائمة استقالتها عند إعادة تشكيل المجلس التشريعى، لتشكل من جديد، وتتقدم للمجلس بطلب الحصول على ثقته.

وهو اتجاه يستند القائلون به إلى الفقرة الرابعة من المادة 146 من الدستور، التى تنص على أنه عند تشكيل الحكومة فى حالة حل مجلس النواب يعرض رئيس الوزراء تشكيل حكومته وبرنامجها على مجلس النواب فى أول اجتماع له.

وبصرف النظر عن أن مجلس النواب لم يكن محلولاً عندما تشكلت حكومة شريف إسماعيل فى سبتمبر الماضى، بل لم يكن موجوداً من الأساس، فقد مضى على عقد أول اجتماع لمجلس النواب فى 10 يناير الماضى، ما يزيد على شهرين ونصف الشهر، وبالتالى فقد انتهت المدة التى يحددها الدستور فى هذه الفقرة من المادة 146، وأصبح محتماً على الحكومة أن تقدم استقالتها، وعلى رئيس الجمهورية أن يعيد تكليف رئيسها بإعادة تشكيلها قبل أن تتقدم إلى مجلس النواب لتطلب الحصول على ثقته!

وحتى لو لم تكن المدة قد انتهت، فذلك تقليد دستورى يجب على كل الأطراف أن تحرص على تأكيده، بحكم أن الدورة البرلمانية الأولى هى دورة إرساء التقاليد الدستورية، وهى مهمة لم يقم مجلس النواب أو الحكومة بأى خطوة فى سبيلها، اكتفاءً بالتقاليع الدستورية والبرلمانية، التى لم يكن أولها فصل النواب، ولم يكن آخرها إقالة الوزراء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية