دائماً ما يُطرح سؤال عن الهوية، و هل هي ثابت أم متغير؟ و نتحدث كثيراً عن ثوابت الدولة المصرية، و تظل الاجابة محل خلاف و جدل مستمر. و تُفسر فكرة الهوية علي عِدة أصعده وة منها أن الهوية هي الشخص ذاته. بكُل ما تحملُه الكلمة من معني. فهي الشخص بكُل كيانهُ، التربية، الأهل، التعليم، الدين ، وسائل إعلام, التوجُهات و السلوك و غير ذلك الكثير.
أما السؤال هنا فهو هل تُحدد الهوية سلفاً من الآخرين أم أن للشخص مُطلق الحرية أن يُحدد هويتهُ دون قيود!؟
و الإجابة هي وجود ارتباط الوثيق بين الهوية و الحرية. فبدون الحرية تتكون هوية مُشوهه, حيثُ إنها تكونت بُناءاً علي قناعات الآخرين من ناحية والضغوط المجتمعية و الصور النمطية من جهة أخري .
فنحنُ نسلُك بطريقة ما نتيجة التعوُد علي سلوكِ ما, ثُم يُدعم هذا السلوك بقُبول الآخرين له ، و هؤلاء الآخرين غالباً ما يُكونوا القوه المؤثرة في ذاك المُجتمع المعني. و هذا لا يعني بالضرورة أن ذاك السلوك إيجابي أو سلبي و لكنهُ يعني إنهُ السلوك المقبول. فقبول سلوكِ ما في مُجتمعِ ما في وقتِ ما يظل دائماً و أبداً أمراً نسبياً.
و بُناءاً علي هذا نجد الكثير من السلوكيات المقبولة أو غير المقبولة في كُل المُجتمعات. طريقه تناول الحِساء في المملكة المتحدة و في كوريا مثلاً. ففي المملكة المتحدة من غير المقبول بأي حالِ من الأحوال أن يصدُر عنك صوتاً خلال تناول الحساء و العكس مقبول تماماً في كوريا. في هذه الحالة تتوقف الإجابة عن سؤال ما هو السلوك المُحبب و الأكثر قبولاً اجتماعيا علي ثقافتك أنت, و مدي قُربها أو بُعدها عن احدي الثقافتين و ليس بالضرورة عن السلوك في حد ذاته.
و من هُنا نطرح السؤال التالي عن الحرية و دورها في نقد و تغيير السلوك. فقبول كُل أشكال السلوك كما هي دون فحصِ و تمحيص غالباً ما يؤدي إلي التمسُك ببعض السلوكيات و الاتجاهات شديدة السلبية.
و هذا لا يعني أساساً تفضيل سلوكِ عن سلوك أخر, لكن ذاك يعني أن علي كُل شخص مُراجعة كافة السلوكيات التي يقوم بها. و تتم هذه المراجعة في إطار الوعي بالمنطق و ليس ما تم استلامه من الأجداد. و هذا الأمر ليس باليسير و لكنهُ يتطلب جِهودِ مضنيه و صراع مع القوي المُحافِظة و تلك القوي المُحافظة غالباً ما تُحاول أن تُحافظ علي مُعظم الأشياء دون تغيير.
و هُنا تكمُن قيمة و صلابة فكرة الحرية. حيثُ أن الحرية هي المحك الأساسي لكُل سلوك إنساني يتم عن قناعه تامة و ليس عن عاده أو قُدسيه وهميه.
و ا لإنسان هو المسئول الأول عن تكوين هويتهُ و كينونتهُ. و ليس من حق كائنِ ما كان أن يُحدد لهُ سلفاً الطريق الذي سوف يسلُكه. فلو قرر شخص مصري يعيش في أحدي قُري صعيد مصر أن يُطيل شعرهُ فسوف يجد الكثير من المُضايقات و التحرُشات من كُل الآخرين بدءٍا من أقرب الأهل إلي أي عابر سبيل. سيكون لديهم الحق في وصفهُ بأبشع الصفات. و المسألة تكمُن في اختفاء أي شكل من أشكال الدعم, و لا أقصُد هُنا دعماً للشعر الطويل, فهذا ليس بيت القصيد, المعنيِ هُنا بالمناقشة هو دعم الحرية الشخصية تحت أيه ظروف.
و كُلما ذاد دعم الحُريات, كُلما تحددت الهوية الحقيقية للأفراد. فالقهر يمحي الهوية. فلن نستطيع تبيُن حقيقة هوية الأفراد إلا في وجود الحرية المطلقة.
فالإنسان يعيش حياه طبيعيه بقدر ما يتمتع بحُريه في اتخاذ كُل قراراته المصيرية و غير المصيرية.
فإذا كان الإنسان و هويتهُ شيئاً واحداً فلن تتكون الهوية إلا مع حُرية الإنسان. فعلي كُل إنسان إذاً أن يقبض علي حُريتهُ تماماً, فالحياة لا تُعاش حقاً إذا قُيدنا بما يُحده الآخرون.
و قد قال" سارتر" سابقا "الآخرون هم الجحيم" فهل هُم حقاً كذلك؟ أم نحن المسئولين عن تدخل الآخرين في حياتنا بطريقة سافرة، فها آن الأوان أن نقرر وحدنا كيف سوف تكون شكل حياتنا و توجهاتنا، المتعة الحقيقية في تلك الحياة هي أن تصبح ما تريد أن تكونه.
شريف رزق