«مصر تمر حالياً بمرحلة الفقر المائى، الذى ترتب عليه فقر غذائى»، هكذا جاء تعليق الدكتور محمد النحراوى، المدير السابق بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية ومستشار رئيس مركز البحوث الزراعية ، حول أزمة الأمن الغذائى فى مصر حيث، وأكد أن المعدل الذى تم تحديده عالمياً للفقر المائى هو ألا يقل نصيب الفرد عن 1000 متر مكعب سنوياً، بينما يبلغ نصيب المواطن المصرى فى الوقت الحالى 800 متر مكعب فقط، وهو ما ترتب عليه الدخول فى مرحلة الفقر الغذائى.
وأرجع النحراوى المشكلة إلى قلة هبوط الأمطار على جبال الحبشة، مما تسبب بالتبعية فى قلة الفيضانات، وأشار إلى أن مصر تعتمد حالياً على مخزون السد العالى، الذى سُحب منه خلال العامين الماضيين حوالى 40 مليون متر مكعب، لمحاولة سد عجز المياه، وأوضح أن قلة المياه أدت إلى تقليل مساحات الأراضى المزروعة بمحصول الأرز من مليون و750 ألف فدان إلى مليون ومائة ألف فدان.
وحذر «النحراوى» من خطورة عدم تحقيق الاكتفاء الذاتى من محصول القمح، موضحاً: «لا أطالب باكتفاء كامل من القمح، لكن يجب تحقيق الحد الأدنى الذى يضمن أمن مصر الغذائى، وهو ما لم نصل إليه حتى الآن، حيث ننتج 60٪ فقط من احتياجاتنا، وقد تنخفض هذه النسبة إلى 50٪، وهو مؤشر خطر أن نستورد نصف استهلاكنا من القمح حيث، يجب ألا تقل نسبة إنتاجنا عن 80٪»، وقال إن الأمر نفسه ينطبق على الإنتاج الحيوانى، الذى نستورد 40٪ من استهلاكنا منه من الخارج، وأضاف: «مشكلة القمح أكبر، لأنه لا يوجد مواطن مصرى لا يعتمد فى غذائه على الخبز، سواء كان غنياً أو فقيراً، بينما يمكن الاستغناء عن اللحوم لبعض الأوقات».
الدكتور طلعت الخطيب، مدير مركز صحة وسلامة الغذاء بجامعة أسيوط، التقط أطراف حديث الاكتفاء الذاتى من اللحوم ليؤكد أن الاستمرار فى ارتفاع أسعار اللحوم والاعتماد فى استهلاكنا على اللحوم التى تأتى من دول كالبرازيل والهند سيؤدى إلى انخفاض نصيب الفرد، وهو ما سيترتب عليه العديد من الأمراض التى تصيب جسد الإنسان، بسبب قلة البروتين الحيوانى مثل الأنيميا، وتوقع الخطيب أنه إذا استمر معدل ارتفاع أسعار اللحوم الحالى، فإن 5٪ من الشعب المصرى فقط هم الذين سيقدرون على تحمل تكلفة شرائها.
«الكارثة تكمن فى الزيادة السنوية فى أعداد السكان بمعدل 2 مليون مواطن دون أن تقابل ذلك زيادة موازية فى الموارد»، هكذا بدأ الدكتور أحمد خورشيد، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية، كلامه معبراً عن قلقه من الزيادة المطردة فى أعداد السكان: «مصر مقبلة على خطر إذا استمر نفس معدل الاستهلاك والزيادة السكانية وأيضاً الفاقد، حيث تخسر الدولة سنوياً أكثر من 500 مليون جنيه، بسبب إلقاء البعض أرغفة الخبز فى القمامة، وأيضاً استخدام الخبز المدعم كعلف حيوانى.. وطالب خورشيد الدولة بالعودة مرة أخرى للاهتمام بأحوال المزارع كما كان يحدث سابقاً، وعقد ميثاق بينها وبينه يكفل حماية محصوله من التلف والفقد.
دكتور محمود منصور، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة شكك فى أن تكون نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح 60٪، بل توقع أن تقل النسبة عن ذلك بناء على بعض الإحصائيات الدولية لتصل إلى أقل من 50٪، وأشار منصور إلى أن نسبة كبيرة من المشكلة تقع بسبب عدم دعم الدولة للزراعة، ففى الوقت الذى يخصص فيه الاتحاد الأوروبى 40٪ من ميزانيته للدعم الزراعى، فإن الحكومة المصرية تخصص نسبة لا تذكر من ميزانيتها لنفس الغرض، وتدعم فقط الأراضى الزراعية على الطرق الصحراوية التى يملكها رجال الأعمال وتنتج محاصيل من الخضر والفاكهة غير الاستراتيجية، فى حين تكبل الفلاح الذى يعتبر أساس الأمن الغذائى الاستراتيجى بالمديونيات، وهو ما دفع المزارعين إلى هجرة أرضهم تخلصاً من أعباء الدولة.
واعتبر منصور أن مصر تعيش حالياً مرحلة تهديد فى الأمن الغذائى القومى، وإن لم يصل ذلك إلى درجة المجاعة حتى الآن، لكن من الممكن أن نواجه ظروفاً عصيبة فى المستقبل إذا لم يتم تدارك الأمر والعمل على حله، خاصة الثروة الزراعية، وذلك من خلال إنشاء جمعيات تعاونية تساعد الفلاح وتمده بالأجهزة وطرق الزراعة الحديثة لزيادة إنتاجية الأرض، ودعا منصور إلى إصلاح نظم الحيازة، فمعظم المزارعين يعانون من فقر شديد.
وفرق منصور بين مصطلحى الأمن الغذائى والاكتفاء الذاتى، معتقداً أن مصر يجب أن تحقق أمنها الغذائى دون شرط الاكتفاء الذاتى، فمحصول القمح على سبيل المثال لا يشترط الاكتفاء الذاتى منه محلياً، لكن يجب ألا يقل إنتاج الدولة فيه عن 80٪ حتى لا نتعرض إلى الخطر، ورأى منصور أن لدينا نقصاً فى الأمن الغذائى فى مجال الثروة الحيوانية وإنتاج الزيوت بالإضافة إلى الحبوب والقمح. واتهم منصور الدولة والحكومة بالإهمال فى التعامل مع قضية المياه، وأضاف: «نظرة بالعين المجردة إلى مياه النيل سنلاحظ عدم ارتفاع منسوبها هذا العام مقارنة بمثل هذا الوقت فى الأعوام السابقة، رغم أن المياه تعتبر قضية أمن قومى».