x

محمد كمال «دونالد ترامب» بالمصرى محمد كمال الأحد 13-03-2016 21:37


المصريون الذين يتابعون الانتخابات الأمريكية لا يعجبهم بالتأكيد المرشح الجمهورى «دونالد ترامب»، وربما يكون السبب الرئيسى وراء ذلك هو تصريحاته المضادة للمسلمين، خاصة حديثه عن حظر دخولهم للولايات المتحدة. دونالد ترامب الذى نظر إليه البعض فى بداية السباق الانتخابى على أنه «مهرج» وليس له أى فرصة فى الفوز، يسير الآن بخطى ثابتة للحصول على ترشيح الحزب الجمهورى للانتخابات الرئاسية القادمة.

عنصرية ترامب ليست القصة كلها، وترامب ليس مجرد حالة أمريكية، بل هو جزء من ظاهرة عالمية، والعديد من السياسيين فى أوروبا يروجون لنفس الأفكار التى يتبناها والتى يطلق عليها علماء السياسة اسم «الشعبوية» Populism. بل إن بعض هذه الأفكار والأساليب الشعبوية تتردد فى مصر بين سياسيين من اليمين ومن اليسار، بالرغم من استهجانهم جميعا لدونالد ترامب.

أحد هذه الأساليب يتعلق بالتركيز على مخاطبة مشاعر المواطنين وليس عقولهم، واللعب على الإحساس بالخطر والإحباط والغضب بتأجيج المشاعر القومية والحماسة الوطنية، والحديث المرسل عن استعادة أمجاد الماضى، كما يتحدث ترامب عن استعادة «عظمة أمريكا»، ودون أن يكون لديه رؤية واضحة للوصول لهذا الهدف، أو أساس واقعى لتحقيقه.

هناك أيضا الفكرة المتعلقة بإلقاء اللوم على الآخر وخاصة الأجنبى، واتهامه بالمسؤولية عن المشاكل التى تواجه البلاد. فنجد ترامب يتحدث عن أن مشاكل الاقتصاد الأمريكى سببها الصين، ومشاكل المهاجرين سببها المكسيك، والإرهاب سببه المسلمون. ونجد بيننا سياسيين يسيرون على نفس النهج، وبدلا من النظر فى المرآة نجدهم يستسهلون الحديث عن دور الخارج فى بعض مشاكل الداخل، ويجدون فى ذلك الراحة والمبرر لعدم التعامل مع أسباب أخرى لهذه المشاكل.

ويرتبط بذلك الدعوة للانغلاق والانعزال والابتعاد عن العالم، ووضع الحواجز الحمائية أمام التبادل التجارى وتبنى العنصرية الفكرية فى مواجهة الحضارات الأخرى. وذلك بدلا من التفاعل الاقتصادى القائم على التنافسية والاعتماد المتبادل، والانفتاح الحضارى الذى يثرى الثقافة المحلية. وكم من هذه الأفكار تملأ الساحة المصرية.

المسألة الأخرى تتعلق بتقديم شعارات عامة أو أفكار غير قابلة للتحقيق على أنها حلول للمشاكل، والامتناع عن طرح خطط تفصيلية أو مقترحات واقعية للتعامل مع هذه المشاكل. فنجد ترامب يتحدث عن حل مشاكل الاقتصاد الأمريكى من خلال إلغاء الاتفاقيات التجارية مع الصين، وهو أمر لن يكون فى يده ويخضع للقواعد الدولية التى تنظمها منظمة التجارة العالمية وفى نفس الوقت لن يحل المشكلة التى ترتبط بالأساس بعوامل داخلية تتعلق بتدنى القدرات التنافسية الأمريكية. أو اقتراح ترامب بقيام المكسيك بدفع تكلفة إقامة جدار عازل على حدودها مع الولايات المتحدة لمنع تسرب المهاجرين وهو يعلم أن أى حكومة مكسيكية سترفض ذلك، أو حديثه عن حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه لطبيعته العنصرية ورد الفعل المتوقع والذى قد يكون مماثلا من الدول الإسلامية، وكذلك عدم تأثيره على مشكلة الإرهاب. وكم لدينا أيضا من السياسيين الذين يصفون المشاكل دون أن يقدموا حلولا لها، أو يطرحون- وبثقة عالية- شعارات عاطفية وأفكار خيالية للتعامل معها.

الخلاصة هى أن الشعبوية ليست الحل، وإذا كان لدى الولايات المتحدة دونالد ترامب فلدينا أكثر من شبيه لترامب، فى اليمين واليسار ومن القوى المدنية والتيارات الدينية؛ يخاطبون المشاعر وليس العقول، يقدمون الشعارات وليس الحلول، يلومون الآخر وينسون أنفسهم، ويدعون للانغلاق واستعادة الماضى بدلا من الانفتاح والتطلع للمستقبل. وأخيرا، إذا كانت أفكار ترامب هى الأفكار الخطأ بالنسبة للولايات المتحدة، فإن أفكار نظرائه من السياسيين المصريين هى بالتأكيد الأفكار الخطأ لمستقبل مصر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية