قال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يركز على النهوض بالاقتصاد واستصلاح الأراضى، متجاهلا جناح الدولة الآخر «الثقافة»، متسائلا: كم مرة قابل الرئيس وزير الثقافة، مؤكدا خلال حواره مع «المصرى اليوم» فى سلسلة حوارتها حول المشهد الثقافى فى مصر وعلاقته بالمشهد الثقافى العربى أن سوزان مبارك ساهمت فى تشكيل الوعى بمشروع «القراءة للجميع»، وأن الرئيس الأسبق حسنى مبارك حرص على الاقتراب من المثقفين ومتابعة المشهد الثقافى أكثر من السيسى، مشيرا إلى أنه ضد الصهيونية ولا يرفض اليهودية، وأنه يجب إعادة صياغة مفهوم التطبيع مع إسرائيل. وأضاف أن الفكر الظلامى والوهابى يسيطر على الأزهر، وأن حديث المشيخة عن تجديد الخطاب استهلاكى، مؤكدا أن أهل التشدد فى المشيخة يرهبون شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فكريا، لافتا إلى أن الرقص إبداع «مش حرام»، وأن الدستور كفل حرية التعبير، مطالبا بضرورة إسقاط مادة «ازدراء الأديان».. وإلى نص الحوار:
■ بداية كيف ترى المشهد الثقافى الآن؟
- يمر بحالة محزنة، رغم أن حل مشاكلنا لا يأتى إلا من خلال الثقافة بالدرجة الأولى، فأزمتنا فى مصر والدول العربية ثقافية، وليست اقتصادية كما يدعى الكثير، خاصة فى ظل ما يسود فى الدول العربية من فكر ظلامى إرهابى، والثقافة لابد من أن تبدأ من المدارس بعيدا عن مناهج التلقين والحفظ، بأن تكون هناك طرق للتدريس تشجع على الإبداع والاستمتاع، وفى مصر يركز الرئيس عبدالفتاح السيسى على الاقتصاد واستصلاح الأراضى، وهذا جهد مشكور، لكنه جناح واحد للوطن، والجناح الآخر هو الثقافة، لقد كان جمال عبدالناصر ينشئ مصنعاً مع قصر ثقافة، فلابد من تطوير قصور الثقافة التى أصبحت بؤر فساد إدارى، وإنشاء قصور ثقافة جديدة، كما يجب أن نطور ثقافة القائمين على قصور الثقافة، فمعظمهم موظفون لا علاقة لهم بقصور الثقافة.
■ ولماذا تأخرنا ثقافيا بهذا الشكل فى حين تقدم العديد من الدولة العربية فى هذا الشأن؟
- الأمر يحتاج إلى الوصول لمرحلة الاقتصاد الثقافى والمعرفى، ولا يمكن أن تتقدم الثقافة العربية دون مصر، لأن بلادنا أساس الثقافة والمثقفين.
■ لديك مجموعة بروتوكولات بشأن النهوض بالثقافة ما مصيرها؟
- وقعت عندما كنت وزيرا للثقافة 12 بروتوكولا بين وزارة الثقافة والوزارات المختلفة التى يجب أن تنشر الثقافة معاً فى المجتمع، وتركتها للوزير الذى يأتى خلفا لى، لأنها تعتبر استراتيجية كاملة للثقافة فى مصر تأخذها إلى مستوى آخر من التفكير القادر على رفض الأفكار الإرهابية من جذورها، وأنا أدعو وزير الثقافة حلمى النمنم إلى سرعة تطبيقها.
■ لماذا لم تفعلها أنت خلال توليك المنصب؟
- هى بروتوكولات تحتاج إلى جهد ووقت للتنفيذ، فأنا وضعتها كخبير ثقافى يرى المشهد ويضع سياسات الإنقاذ، كما أن الوقت المتاح لى فى الوزارة لم يسمح لى بالتنفيذ.
■ هل يعلم الرئيس بهذه البروتوكولات؟
- لم أقابل الرئيس إلا مرة واحدة قبل أن أتولى الوزارة، ويبدو أن حديثى معه وقتها هو الذى أتى بى للمنصب، ولا أعلم إذا كان عنده علم بهذه البروتوكولات أم لا، لكن حزنت عندما اطلعت على خطة الحكومة المستقبلية التى عرضت على البرلمان، ولم أجد فيها شيئاً عن هذه البروتوكولات ولا أى اهتمام ملموس بالثقافة خلال المرحلة الحرجة المقبلة، فالحكومة الحالية صورة طبق الأصل من حكومات قبل الثورة، ولا أحد يهتم بالثقافة فى بلدنا، والاهتمام يصب فقط فى مصلحة الاقتصاد، ودعنى أسأل رئيس الجمهورية: كم مرة جلست مع وزير الثقافة تتباحثان حول الوضع الثقافى؟ فمبارك كان يجلس مع المثقفين بين الحين والآخر وكان يفتتح معرض الكتاب سنوياً، وهذا لم يعد موجوداً فى الوقت الحالى.
■ لكن الرئيس افتتح العام الثقافى المصرى الصينى؟
- هذه دبلوماسية دولية يجب أن تحدث، لكن أين هى فعاليات العام الثقافى المصرى؟، كنت أتوقع أن يلتقى أهل الوسط الثقافى المصرى الرئيس الصينى للحديث معه حول العام الثقافى المصرى، وكيفية خلق ثورة ثقافية مصرية مثلما حدث فى الصين، خاصة أن الصناعات الثقافية تساهم فى الدخل القومى الصينى بأكثر من 4%، وأنا شخصياً كنت أرغب فى سؤال الرئيس الصينى عن «مو يان» الأديب الصينى الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب.
■ كيف كانت تجربتك وزيراً للثقافة فى آخر أيام مبارك؟
- لقد جئت وزيرا فى حكومة شفيق يوم 29 يناير، بعد اندلاع الثورة، لكن لم أكمل أكثر من 9 أيام، بسبب «خناقة» مع وزير الإعلام وقتها أنس الفقى، فى اجتماع مجلس الوزراء، وقتها تحدثت عن ضرورة أن يتم تشكيل الحكومة من تيارات سياسية مختلفة، لكن الفقى انتفض قائلاً: «هذه هى حكومة الحزب الوطنى، وأنت جئت فى الحكومة كخبير ثقافى فقط، فقدمت استقالتى من الوزارة، لكن مجلس الوزراء أعلن وقتها أن الاستقالة جاءت لأسباب صحية».
■ البعض يقول بأنك من رجال نظام مبارك بماذا ترد؟
- كيف أحسب على نظام مبارك وأنا عملت بالثقافة فى كل الأنظمة بداية من عهد السادات عندما كنت معيداً فى الجامعة وقررت ألا أفصل العمل الأكاديمى عن العمل الثقافى الشامل، حتى نظام السيسى، فالجامعة هى منبر الثقافة دائماً وأبداً، ووقتها تم اعتقالى مع 60 أستاذا من الجامعات المختلفة بحجة إشعال الفتنة الطائفية فى واقعة الزاوية الحمراء، لكن الاعتقال كان بسبب مناهضتنا لاتفاقية كامب ديفيد، ولا يعنى أننى كنت أمين المجلس الأعلى للثقافة فى عهد مبارك أن أحسب عليه، وأنا لم أقابله غير مرة واحدة مع عدد من المثقفين عندما كان يرغب فى الترشح للرئاسة فى فترة جديدة، وطرحت عليه بعض الأفكار مثلى مثل جميع المثقفين وقتها، وكان بيننا محمد سلماوى وعمرو عبدالسميع وغيرهما.
■ ماذا عن سوزان مبارك ومشروع القراءة للجميع؟
- فكرة القراءة للجميع كانت لتوفيق الحكيم فى الأساس، لكن سوزان مبارك نسبت الفكرة لنفسها، والفكرة أثرت بشكل كبير فى وعى وثقافة عدد من الشباب وقتها، وأصبح الكتاب مع كل الناس بسعر مخفض، فأسس الكثير منهم مكتبات فى بيته فقرأ هو وعائلته، وليس صحيحاً ما يقال من أن انخفاض سعر الكتاب جعل منها رفوفاً فى البيوت دون قراءة حقيقية، والفكرة الآن مناسبة لإنقاذ الحالة الثقافة.
■ هل أنت مع المطالبين بمراجعة مفهوم التطبيع مع إسرائيل؟
- أنا ضد الصهيونية، ولا أرفض اليهودية، وقبل أن أستقبل الموسيقار اليهودى العالمى، دانييل برينباوم، هاتفنى صديقى إدوارد سعيد يوصينى خيراً به، لأنه يؤمن بالقضية الفلسطينية، وأتفق مع سعيد على أهمية إقامة الدولة الفلسطينية العلمانية، وعلى أهمية تفعيل الفكرة على أرض الواقع، فكيف لا أستقبل مثل هذا الرجل، بحجة عدم التطبيع مع إسرائيل، وعلى كل حال أنا مع إعادة مفهوم التطبيع، لأنه ليس كل من يذهب للقدس يمكن أن أقول عليه مطبعا، خاصة أن هناك عددا كبيرا من المثقفين الفلسطينيين يطالبون بالتواصل معهم، بل إن الذهاب إلى هناك سيمنحنا الفرصة لزيارة قبر محمود درويش مثلا.
■ كيف نتحدث عن إنقاذ الثقافة فى ظل أحكام الحسبة؟
- أنا ضد الحسبة بأى شكل من الأشكال لأنها سيف مصلت على رقاب المفكرين والكتاب، ولابد من إلغاء ما يسمى بازدراء الأديان، ولا يوجد بالعالم ما يسمى بازدراء الأديان، والحكم على بحيرى وناعوت وناجى أمر غير مقبول، وكيف نتحدث عن التجديد الدينى ونحاكم من يحاول إعمال عقله فى كثير مما جاء به الدين، فالقول بأن الحجاب ليس فريضة أمر صحيح، ولم يكن أحد يرتدى الحجاب منذ فترة قصيرة فى مصر، لكن الفكر الظلامى سيطر على سيدات مصر، وانظروا لأفلام الستينيات مثلاً.
■ لم تهاجم مؤسسة الأزهر وتتهمها بتبنى الفكر الظلامى وهى معروفة بالوسطية؟
- الفكر الظلامى والوهابى يسيطر على الأزهر بشكل كبير، ولن يخرج من المشيخة بسهولة، فحديث الأزهر عن تجديد الخطاب استهلاكى لن يستطيع الأزهر تنفيذه فى ظل سيطرة المتشددين عليه ممن يمارسون إرهابا فكريا ضد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر.
■ لماذا لم تتواصل مع شيخ الأزهر بشأن القضايا الخلافية بينك وبين المؤسسة؟
- لقد تواصلنا بالفعل، وعملنا على عقد عدد من اللقاءات بين المثقفين ومشايخ وأساتذة الأزهر للوصول لحوار فعال يخدم تجديد الخطاب الدينى، وعقد الاجتماع عدة مرات، لكن الأمر توقف، وأنا أطالب بعودة هذا الحوار لأنه تقارب لصالح الجميع.
■ قلت إن الرقص ليس حراما، لماذا؟
- أنا لا أرى أن الرقص حرام، سواء كان الرقص الشرقى أو الباليه، لأنه تعبير فنى يجعلك تتأمل حركات الجسد وقدرته على إظهار الإبداع، بل إن الرقص يسمو بالعقل والروح، خاصة رقص الباليه، ولا أظن أن رقص سامية جمال حرام، حتى إن إدوارد سعيد كتب كتاباً عن فن تحية كاريوكا، وهذه هى قناعاتى، ولا أخشى فى قناعاتى أحدا، كما أن هناك 3 مواد دستورية نصت على حرية التعبير والإبداع، فى الوقت الذى نرى فيه الأحكام تستند إلى مادة عقيمة فى قانون العقوبات، لذلك يجب أن تمحو من حياتنا مادة «ازدراء الأديان».
■ هل تعتقد أن مثل هذه المحاكمات تعيق تجديد الخطاب الدينى؟
- قلت قبل ذلك وأكررها، ما حدث مع فاطمة ناعوت، وإسلام بحيرى، وأحمد ناجى، أحكام صادرة ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصياً، لأنها تضرب بما يقول عرض الحائط بما يخص مطالباته المستمرة بتجديد الخطاب الدينى، فأين هى الضمانات التى تتيح تجديد الخطاب الدينى فى مصر فى ظل ما يحدث من تعقب ضد كل من يحاول البحث فى الدين الصحيح، وهناك كثير من مشايخ الأزهر الذين كانوا مجددين وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده، كان لا يفرض الحجاب على بناته، والسؤال هنا من فى الأزهر الحالى يسير على نهج التجديد، ألا يعلمون أن لكل زمان ومكان طبيعة مختلفة، فالشافعى مثلا عندما جاء من العراق لمصر غير 40 مسألة فقهية من مسائل الاقتصاد والتعاملات بين المسلمين لأنه وجد بيئة وأهل مصر يختلفان عن بيئة وأهل العراق.
■ ألا تخشى مثل هذه الأحكام على نفسك؟
- دائما أقف ضد ممارسات الأزهر بتكوينه الحالى، وأقول رأيى فيه كما أريد ومتى أريد، سواء قبل الوزارة أو أثناء تولى الحقيبة أو بعد مغادرة المنصب، ولا أقوله تملقاً أو مجاملة لأحد، ولا أخشى من قوله، فأنا لا أعرف المجاملة فى الحق، وكان رأيى بخصوص فيلم «نوح»، ألا جريمة أو خطأ فى رسم الأنبياء أو تصويرهم، بل من الأفضل أن نسمح بذلك الأمر دائما، خاصة أن بيننا أقباطا لهم الحق فى أن يروا الأفلام التى تتناول حياة الأنبياء، ودائما أشجع الإسلام الحقيقى والعقلانى الذى يحث على الاجتهاد، وأرفع تقديرى وقبّعتى للعقلانيين فى الأزهر مثل محمود زقزوق وغيره من التنويريين، وفى نفس الوقت لا أقدر أعداء الفكر وحرية التعبير، ولن أتراجع عن آرائى مهما حدث.
■ هل أغضبك قلة عدد المثقفين فى البرلمان الحالى؟
- فى البرلمان 4 مثقفين بينهم 2 بالتعيين، وهذا عدد قليل، لكنه يمثل الوضع الذى وصل إليه حال الثقافة فى مصر، وكنت أتمنى أن يكون المثقفين أكثر بكثير من هذا العدد، كما كنت أتمنى أن يكون بهاء طاهر من المعينين فى البرلمان لأنه أكبر المثقفين المصريين، لكن ليس وجود المثقفين فى البرلمان هو ما ينقذ حال الثقافة فى مصر لأنها تحتاج إلى إرادة دولة ورغبة حكومة فى التنفيذ الحقيقى على أرض الواقع، من خلال قصور الثقافة القائمة، وإنشاء أخرى فى كل قرية ومدينة بمصر.