تعد رواية «الحرب والسلام»، التى صدرت عام 1869، من أشهر أعمال الكاتب الروسى الكبير «ليو تولستوى» وهى تصف الحوادث العسكرية والسياسية التى حدثت فى أوروبا فى الفترة ما بين (1805 و1820)، خاصة وقائع غزو نابليون لروسيا عام 1812، كذلك روايته المعروفة «انّا كارنينا» التى تعالج عدة قضايا اجتماعية وأخلاقية وفلسفية من خلال مأساة غرامية، أما كتابه المهم (ما الفن؟) الذى أوضح فيه أن الفن ينبغى أن يُوجه الناس أخلاقياً، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، وأن يكون بسيطًا يخاطب عامة الناس. هو من الكتب التى دعمته كفيلسوف أخلاقى اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف، وتبلور ذلك أيضا فى كتاب «مملكة الرب بداخلك»، وهو العمل الذى أثر على مشاهير القرن العشرين مثل (المهاتما غاندى ومارتن لوثر كينج) فى جهادهما الذى اتسم بسياسة المقاومة السلمّية النابذة للعنف.
وتولستوى ولد فى روسيا عام 1828 ومات فيها عام 1910، أى أنه عاش فى ظل سطوة روسيا القيصرية حتى ثورة البلاشفة ضد النظام القيصرى، كما أنه كان من النبلاء لأن والده هو الكونت نيكولاس تولستوى، وأمه الأميرة ماريا فولكونسكى، ورغم ذلك كان متحيزًا للفلاحين يدافع عنهم وينتقد من يستعبدونهم، وقد وزع أغلب ما امتلكه من أراضٍ عليهم فى حياته. أما (فلاديمير لينين)، المولود فى روسيا عام 1870 والمتوفى عام 1924، قائد الحزب البلشفى والثورة البلشفية الذى تولى حكم الدولة الروسية فى عام 1917 فى ذروة الحرب مع ألمانيا والجيوش الألمانية تتقدم على كل الجبهات، ونجح فى عقد صلح مع ألمانيا فى عام 1918 بعد أن قدم عدة تنازلات عن مقاطعات كانت تحت حكم القيصر، أهمها بولندا وفنلندا. هذا السياسى الداهية (فلاديمير لينين) كانت له علاقات جيدة مع الشعراء والأدباء الروس، وعلى رأسهم (مكسيم جوركى) الذى وصفه ذات مرة قائلا: «إن دهشتى كبيرة. كيف أن هذا الرجل الذى شاهد وعاش الكثير من المصائب والمآسى كان قادرًا على الضحك بذلك القدر من السذاجة والطيبة». المدهش أن علاقة لينين بهم لم تكن مقصورة على اللقاءات فقط، فهناك كتاب ذائع الصيت عنوانه (من أجل نظرية للإنتاج الأدبى) من تأليف «بيير ماشرى» وقد نشر بالفرنسية عام 1966 وبه دراسة عن (لينين ناقدًا لتولستوى)، وذلك من خلال ستة مقالات كتبها لينين فى مناسبات متفرقة فيما بين 1908 و1911، استجابة لظروف محددة، أهمها الاحتفال بمرور ثمانين عاما على ميلاد تولستوى، ثم وفاة هذا الكاتب العظيم. وترجم الدراسة الأستاذ «عبدالرشيد الصادق محمودى».
والدراسة لا تقدم لنا لينين بوصفه قائدًا سياسياً فحسب، لكن بوصفه مفكرًا وديالكتيكياً ممتازًا. فـ«لينين» رأى أن أدب تولستوى مرآة لحقبة تاريخية محددة. تمتد من 1861 (سنة الإصلاحات التى ألغى بمقتضاها نظام العبودية) حتى 1905 (سنة اندلاع الثورة الروسية الكبرى) وقد لعبت فكرة التناقض دورا أساسيا فى إقامة هذه الرابطة، فتولستوى يقدم صورة عن ذلك العصر، لا لشىء إلا لأنه متناقض، وتناقضاته لا يمكن أن تفسر إلا بالرجوع إلى الأوضاع السائدة فى تلك الحقبة. فتولستوى كان أرستقراطياً بحكم مولده، لكنه خرج على طبقته بفكره وأدبه، وساند الفلاحين. وكانت أفكار تولستوى بدورها متناقضة، فتولستوى كاتب واقعى عظيم، لكن قدرته الفذة على رؤية الواقع ونقده، واحتجاجه على القهر والظلم، وسخطه على الإقطاع والرأسمالية، تقف على طرف نقيض مع تصوفه ودعوته إلى الامتناع عن المقاومة الإيجابية.