أى إنسان طبيعى يمكنه أن ينسى الإساءة وجروحها، والإهانة ومرارتها، وعذابات التجاهل والمظالم والحقوق الضائعة.. لكنه أبدا لا ينسى من وقف بجواره صانعا الفرحة والحلم والأمان، فاتحا أبواب المستقبل.. والكاتب الكبير إبراهيم حجازى هو بالنسبة لى أحد هؤلاء الذين أذكرهم دائما بكل اعتزاز وتقدير واحترام بعدما تعلمت منه ومعه الكثير جدا صحفيا وإنسانيا.. واليوم أشكر إبراهيم حجازى من جديد بعدما قرأت كثيرا من التقارير والحكايات عن بعثة اللاجئين التى ستشارك فى دورة ريو دى جانيرو المقبلة بقرار من توماس باخ، رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، حيث سترفع هذه البعثة العلم الأوليمبى، باعتبارها دولة جديدة لا تعرفها الأمم المتحدة أو العالم كله.. قرأت كل ما قاله توماس باخ، وتخيلت ما لم يقله علناً.. وأظننى قادراً على ذلك والفضل لإبراهيم حجازى.. فهو الذى آمن طوال الوقت، وقبل كثيرين، بأن الصحافة ليست محلية فقط.. وأن السفر ليس من الضرورى أن يكون بقصد مرافقة أو متابعة فرق وأحداث مصرية فقط.. ولم يتردد فى أن يرسلنى إلى سول لمتابعة اجتماعات جمعية عمومية خاصة للجنة الأوليمبية الدولية.. ولم يتردد أيضا فى أن يمنحنى شرف وفرصة السفر إلى لوزان لأكون أول صحفى عربى يُجرى حوارا مطولا مع أى رئيس للجنة الأوليمبية الدولية طوال تاريخها.. وفى سول أتيحت لى فرصة حوار ثلاثى نادر ورائع جمعنى ببلاتر رئيس «فيفا» السابق، وأنطونيو سامارانش، الرئيس الأسبق للجنة الأوليمبية الدولية، وقال لى سامارانش إنه أهم من سكرتير عام الأمم المتحدة، وإن هناك أدوارا سياسية لابد أن تلعبها اللجنة الأوليمبية، حتى إن لم تعلن ذلك بوضوح.. وفى لوزان قال لى جاك روج، الرئيس السابق للجنة الأوليمبية، إنه سيخرج باللجنة من دوائر الرياضة إلى العالم الواسع، ولن يقدم التبرعات للأمم المتحدة أو أى هيئة إغاثة دولية، إنما ستقوم اللجنة الأوليمبية بنفسها بما تراه ضروريا سياسيا واجتماعيا وإنسانيا.. واليوم قرر توماس باخ، الرئيس الحالى للجنة، اختيار رياضيين من اللاجئين فى أوروبا ليشاركوا فى ريو دى جانيرو بعيدا عن بعثات بلدانهم.. رياضيون لن تطالبهم اللجنة الأوليمبية بجوازات سفر أو اعتراف بلدانهم.. كأن اللجنة الأوليمبية الدولية قررت أخيرا أنها لم تعد فى حاجة إلى أمم متحدة أو أى حكومات.. وقد اختار باخ فى البداية ثلاثة لاجئين.. سباح سورى ولاعب جودو كونجولى ولاعب تايكوندو إيرانى.. وسيكتمل هذا الفريق قريباً لتصبح سابقة أولى من نوعها فى كل التاريخ الأوليمبى، ونقطة فاصلة فى العلاقة بين السياسة والرياضة، حيث ستسقط تماما أى فواصل أو أسوار بينهما، وحينها ستبدأ الرياضة تتمرد على السياسة.. بدأ هذا الفكر مع سامارانش كما سمعته منه شخصيا، ثم تطور الفكر إلى واقع ومشاركة كما حكى لى جاك روج.. وجاء باخ ليواجه العالم السياسى كله علناً فى الدورة الأوليمبية المقبلة.