x

جمال أبو الحسن تدريس منهج «أديان العالم» جمال أبو الحسن الأحد 06-03-2016 21:49


هذه فكرةٌ أقدمها للمهمومين بتطوير التعليم فى بلدنا. لا أدعى أنها جديدة. لا أفترض أن أحداً لم يأتِ بها من قبل. الكثيرُ من أفاضل التربويين والمثقفين تناولها بصورة أو بأخرى. أحاول فقط فى السطور القادمة أن أُسلط الضوء عليها من جديد. أن أدفع بها لدائرة النقاش العام. أن أضعها تحت نظر المُهتمين بقضية الإصلاح الدينى.

الفكرةُ باختصار هى تدريس منهج لطلبة المدارس الثانوية يتضمن معلومات وأفكاراً أولية عن ديانات العالم المختلفة. الهدفُ منها هو الإلمام المُبسط بالعقائد الدينية الشائعة فى عالم اليوم.

أفترض أن الطالب المُسلم يدرس مبادئ الدين الإسلامى من السنوات الأولى للتعليم الابتدائى. هو أيضاً يتشرب هذه المبادئ فى البيت والمسجد وأجهزة الإعلام المختلفة. على أنه يظل طوال سنوات التعليم جاهلاً بصورة كُلية بالأديان والعقائد الأخرى. طوال أحد عشر عاماً قضيتُها فى التعليم النظامى، لا أتذكر أننى صادفتُ كلمة واحدة تقريباً عن العقيدة المسيحية، ناهيك عن اليهودية أو الهندوسية أو البوذية. كان هذا نقصاً فادحاً فى تكوينى الثقافى والإنسانى. ظهر النقصُ واضحاً عندما اضطرتنى ظروف العمل للاحتكاك بمن ينتمون إلى ثقافات وعقائد مختلفة. العقيدة الدينية واحدةٌ من ركائز شخصية أى إنسان. الجهل بعقائد الناس يجعلك بعيداً عن عالمهم. عن وجدانهم وتكوينهم الروحى وثقافتهم.

هذا واحدٌ من البواعث وراء الفكرة. تدريس العقائد الدينية الأخرى مطلوبٌ لإعداد إنسان يُمكنه التعامل مع العالم الخارجى، دراسة أو تجارة أو عملاً. المُجتمعات الناضجة الطامحة لتجهيز أبنائها لمنافسة مجالها العالم على اتساعه تفعل الشىء نفسه. أغلب المدارس الغربية تُدرس مادة تاريخ الأديان، أو تُدرس الدين كجزء من تاريخ العالم. بطبيعة الحال، لمصر وضعٌ خاص يجعل من تدريس فصل مُبسط عن العقيدة المسيحية للطُلاب المسلمين فرض عين. وقد لاحظتُ فى كُتب التعليم الابتدائى (الصفان الثالث والرابع) أكثر من إشارة إلى الكنائس فى مصر. على أن الإشارات الشكلانية لا تكفى. إلى اليوم لا يعرف المسلمون شيئاً عن معنى «عيد القيامة»، أو السبب وراء صلب السيد المسيح. لا يعرفون شيئاً عن عقيدة الآخر كما يراها هو ويعتنقها ويُمارسها.

على أن الباعث الأهم وراء الفكرة ينصبُ على محاولة بناء منهج سليم فى التعامل مع الدين، دين الفرد نفسه ودين الآخرين. طبيعى أن يؤمن أصحاب أى دين بأنه يمثل الحقيقة الكاملة المُطلقة. المُشكلة تبدأ عندما يتصور الإنسانُ ألا طريق على الإطلاق فى الدنيا غير طريقه. أن الآخرين جميعهم على خطأ. أنهم- بصورة أو بأخرى- مستحقون للعنة أبدية. هذا الشعور يترسخ تلقائياً فى نفس المرء إذا ظل جاهلاً بصورة كاملة بعقائد الآخرين.

الأهم أن نهج الفرد فى تناول دينه يُصبح أكثر انفتاحاً إذا تعرف على أديان أخرى. يصير أكثر تقبلاً لفكرة وجود بشر يُنشدون الحياة الفاضلة بطريق آخر غير طريقه. يقترب أكثر من فكرة الإيمان باعتبارها مظلة واسعة تجمع كل المُحبين لطريق الفضيلة. يُلاحظ غرائب العقائد وعجيب الطقوس، ويبدأ فى التفكير فى أن الآخرين لابد أنهم ينظرون لعقيدته بنفس الطريقة. هذا كله يغرس فى نفسه فكرة التسامح وتقبل الناس بأفكارهم وعقائدهم. ليس صحيحاً أن ذلك قد يُضعف عقيدته أو يزلزل إيمانه. على العكس، ما يقرُ فى ضميره هو أن الحقيقة الدينية واحدة، وأنها تُعبر عن نفسها بصور شتى وبطرق ومختلفة.

كيف نصنع هذا المنهج التعليمى؟

طالعتُ الأسبوع الماضى كتاباً مُبسطاً عن أديان العالم أُعد خصيصاً لـ«الناشئة». عنوان الكتاب هو The USBORNE Encyclopedia of World Religions. فى الكتاب ما يُحقق الغرض. الفصل الأول يشرح معنى الدين. لماذا هو مهمٌ للبشر. نوعية الأسئلة التى تجيب عنها الأديان. مركزية فكرة الروح. معنى العبادات والطقوس. مثلاً: يشرح الكتاب بلغة مُحايدة فكرة «النصوص الدينية». يقول إن بعض معتنقى الديانات يتعاملون مع هذه النصوص حرفياً لأنها قادمة مُباشرة من الله، وهؤلاء يُدعون بالأصوليين. البعض الآخر لا يُقلل من ربانية النصوص، وإن كان يأخذ فى الاعتبار الظروف التى نزلت فيها، وضرورة التوفيق بينها وبين العالم المُعاصر. هؤلاء يُسمون «المعتدلين».

هذه طريقة مُبسطة ومُباشرة فى عرض موضوع دقيق. الكتابُ يسير على هذا المنوال المُحايد فى عرض الأديان جميعاً. تعرف منه شيئاً عن فكرة تناسخ الأرواح فى الهندوسية (واحدة من أقدم ديانات العالم ويؤمن بها اليوم أكثر من بليون شخص)، وشيئاً عن فلسفة بوذا فى كسر دائرة المعاناة البشرية، وتفصيلاً للأعياد اليهودية. من الكتاب، عرفتُ لأول مرة السبب وراء ولادة السيد المسيح فى بيت لحم، برغم أن البشارة جاءت فى الناصرة. عرفتُ أيضاً عن مركزية طقس «ختان الذكور» فى الديانة اليهودية. تعلمتُ شيئاً عن عقيدة «الطاوية» الصينية وعن مبدئها العجيب الذى ينصح بعدم تدخل الإنسان فى مجرى الأحداث، وأن يترك الأمور تجرى فى أعنتها!

هذه كلها معارفٌ ضرورية لتكوين الإنسان الناضج فى عالمنا المعاصر. يتعين أن يتلقى النشء هذه المعارف فى قاعات الدرس بطريقة منهجية مُبسطة. مهم أن يتوفر لإعداد هذا المنهج نخبة ممتازة من المثقفين والتربويين والدارسين لتاريخ الأديان. المعلومات والأفكار يُمكن أن تُقدم كلها بصيغة «يعتقد البوذيون فى كذا» أو «يؤمن اليهود بكيت». الإعداد الحصيف لهذا المنهج لابد أن يأخذ بعين الاعتبار نقاط الالتقاء التى تجمع الأديان المختلفة. كونفوشيوس قال: «لا تأت بسلوك مع الآخرين لا تحب أن يسلكه الآخرون معك». المسيح عليه السلام وضع العبارة بصورة أكثر إيجابية: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم». الرسول (ص) قال: «لا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». المعنى واحد. الفكرة تكاد أن تكون متطابقة. هذا ما ينبغى أن يتشربه أبناؤنا فى سنى التكوين حتى يعيشوا بسلام مع عالمهم.. ومع أنفسهم أيضا.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية