x

عبد الناصر سلامة حتى نُصبح بزرميط! عبد الناصر سلامة السبت 05-03-2016 21:46


لم أجد وصفاً لما نعيشه الآن سوى أنه البزرميط فى لغتنا المتداولة، وما هو البزرميط؟ لا أدرى، حاولت البحث فوجدت أن هذه الكلمة جاءت من كلمة pizzar وهى كلمة فرنسية الأصل، بمعنى «غير متناسق» فتحولت إلى بزرميط، لتدل على نفس المعنى، إلا أنها بهذا المعنى الدقيق قد لا تفى بالغرض الذى أقصده، أو لا تكون ملائمة تماماً للحالة الراهنة، التى هى أكثر من مجرد عدم التناسق، بما يؤكد أن حياة البزرميط أخف وطأة مما نعيشه الآن، والشواهد فى ذلك كثيرة.

بالتأكيد فى حياة، أو فى مرحلة البزرميط، سوف يكون هناك ثواب وعقاب، ثواب للمجتهد، وعقاب للمهمل، ثواب للناجح، وعقاب للفاشل، فى مجتمع البزرميط سوف تتحدد مسؤولية التردى الحاصل فى المجتمع، أى مجتمع، أما وأن الأوضاع قد تعدت البزرميط، إلى ما هو أفدح، وما هو أكثر فشلاً، فلا ثواب، ولا عقاب، ولا أى حساب من أى نوع، لنظل نكافح ونعانى، ونضع خططنا الخمسية والعشرية، وخطط الربع قرن، والـ٤٧ عاماً، على أمل أن نصل فقط إلى مرحلة البزرميط، أو أن نكون فى عداد الدول البزرميط.

حتى يتحقق أملنا فى الوصول إلى عالم البزرميط، كان لابد وحتماً تحديد مسؤولية كل فاشل، كان لابد وحتماً تحديد أسباب الفشل فى كل مجال على حدة، كان لابد وحتماً عقاب هؤلاء الذين أضروا بالدولة المصرية إلى الحد الذى جعل منها حالة ميؤوساً منها، أصبح الحديث الآن ينحصر حول، صعوبة الإنقاذ، أم استحالة الإنقاذ، لم يعد هناك حديث عن نسبة نمو، أو عن خطط وتواريخ محددة منطقية للنهوض، أو إخفاق فى مجال، ونهوض فى آخر، ذلك لأننا لم نعتد تحديد المسؤولية، نجاحاً كانت أم فشلاً، ربما لأن الأمر أصبح كله فشلاً.

■ لابد من تحديد المسؤولية حول سد النهضة الإثيوبى، مَن الذى تراخى فى التعامل مع الدولة الإثيوبية حتى قامت ببناء ذلك السد، الذى جعلنا نلجأ إلى مياه الصرف الصحى، فى الوقت الذى لم تستطع فيه، من قبل، الإقدام على تلك الفعلة على مدى خمسة عقود، كانت تراود نفسها خلالها، إلا أنه الموقف المصرى الحازم فى ظل ثلاثة رؤساء للدولة، فقط أقدمت على ذلك خلال الفوضى التى سادت البلاد، فى أعقاب ٢٥ يناير ٢٠١١، فى ظل حكم المجلس العسكرى.

■ لابد من تحديد المسؤولية عن تلك الأموال التى أُنفقت على قناة السويس، والتى يبدو أنه لم تسبقها أى دراسات، فى ظل افتتاح خط السكك الحديدية بين الصين وأوروبا، فى نفس توقيت الافتتاح، والذى كان قد بدأ العمل فيه قبل عشرة أعوام، وفى ظل تراجع حجم التجارة العالمى، وفى ظل تراجع أسعار النفط، وفى ظل عوامل أخرى كثيرة، كانت جميعها تؤكد أننا أمام مشروع لن يحقق المراد منه.

■ لابد من تحديد المسؤولية حول مشروع الضبعة النووى، الذى أشارت الشواهد إلى أن كل دول العالم المتقدم تتراجع الآن عن إنشاء هذا النوع من مشروعات توليد الطاقة، لحساب مشروعات أخرى أكثر أماناً، وأكثر صلاحية للتعامل مع البيئة، وأقل تكلفة، وأطول عمراً، فى الوقت الذى بدأ العالم يتجه فيه أيضاً إلى إنتاج الطاقة من مصادر غير تقليدية عديدة.

■ لابد من تحديد المسؤولية حول هذه القروض التى حصلت عليها الدولة، خلال العامين الماضيين، وبأى ضمانات كانت، وما هى خطة سدادها، خاصة أننا من خلال هذه السياسات نُصدِّر للأجيال المقبلة مشاكل وكوارث، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، سوف ينوؤون بحملها، مع الأخذ فى الاعتبار أن الدولة المصرية قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ كانت قد توقفت عن مثل هذه السياسات المؤلمة.

■ لابد من تحديد المسؤولية حول المنح الخليجية التى تسلمتها الدولة، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، والتى أصبحت الأرقام بشأنها متضاربة، نتيجة عدم الشفافية، إلا أنها فى كل الأحوال تتراوح بين ٤٥ و٦٥ مليار دولار، وسوف تظل تمثل حالة من الريبة بين المواطن والدولة، إلى أن يتم الإفصاح عن حجمها بدقة، وتحديد أوجه إنفاقها بدقة أيضاً، وإلا فإن كثيرين من المسؤولين وصناع القرار سوف يكونون عرضة للمساءلة يوماً ما.

■ لابد من تحديد المسؤولية عن أصحاب السياسات العقيمة، أو بمعنى أكثر دقة، الفاشلة، الذين تسببوا فى انهيار قيمة العُملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، إلى هذا الحد الذى جعلنا أضحوكة العالم، إضافة إلى ذلك الفشل الاقتصادى العام، الذى جعل الشركات والبنوك الأجنبية تهرب إلى غير رجعة، وجعل المستثمر المحلى يعيش حالة توجس طوال الوقت.

لن نستطيع الانتقال أيها السادة أبداً من حالة الضياع هذه، ونصبح فى عداد الدول البزرميط، الأحسن حالاً، إلا بعد تحديد المسؤولية عما نحن فيه الآن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية