x

مكاوي سعيد ليو تولستوي.. ناسك حقيقى مكاوي سعيد السبت 05-03-2016 21:46


تأثرت الثقافة المصرية الحديثة بالأدب الروسى وكذلك بالكثير من الآداب العالمية فى الشرق والغرب. وكان فى مقدمة الأدباء الروس الذين نقل أدبهم إلى اللغة العربية: مكسيم جوركى، أنطون تشيكوف، ديستويفكسى، تولستوى، شولوخوف وغيرهم. ومكسيم جوركى (1868-1936) بما أرسى من تقاليد فنية فى اللغة والفكر، يمثل الأدب الروسى خير تمثيل، وقد ارتبط جوركى بثورة 1917، أو بالعاصفة على حد تعبيره، وقبل نجاحها واستقرارها، تعرض للمطاردات القاسية، وطاف على الأقدام بحذاء مهترئ وثياب خفيفة رثّة فى كل أركان روسيا النائية، وسط بردها القارس، وتحت زخات المطر وسيوله التى لا تتوقف بالأيام، وخالط كل فئات المجتمع من الحضيض إلى القمة فى أثناء تجواله فى حقول الريف وساحات المدن، وبين الأنهار وفى الغابات. والأهم أنه خلال هذه الحياة القاسية القلقة- حياة التشرد والحرمان والمضض- كان يقرأ بنهم كل ما يقع فى يده من كتب قديمة يقتنيها بمبالغ ضئيلة من الباعة الجائلين، وكان أول من قرأ لهم (بوشكين وجوجول وتشيكوف). وبدأ جوركى الكتابة مزوّدًا بالخبرة وتجربة الحياة الصعبة التى جعلت منه هذا الكاتب الواقعى المرهف الحس القوى الخيال، والذكريات الحقيقية التى أقوى تعبيرًا مما تحويه الكتب من أفكار ونظريات.

وقد لا يعرف البعض «مكسيم جوركى» أو منتجه الأدبى، وربما لم يسمعوا حتى عن روايته الشهيرة «الأم» التى أثرت فى الشرق والغرب وصارت علامة من علامات الأدب العالمى. وفى هذا المقال سأتناول كتابه البديع «صور أدبية» وهو كتاب قريب من السيرة الأدبية؛ يتحدث فيه بصراحة مطلقة وصدق تام عن نفسه وحياته وكتاباته، وعن أهم الكُتّاب الروس الذين قابلهم ووصفهم بدقة متناهية.. وتناول أخلاقهم وأساليبهم وعلاقاتهم وصراعات التنافس، وصراعات العقائد السياسة والفنية، والجدل الأجوف العقيم. والكتاب من ترجمة الكاتب المسرحى الكبير «الفريد فرج» ونشرت الترجمة للمرة الأولى عام 1957، ثم أعيد إصدارها عن المركز القومى للترجمة عام 2009 بمقدمة وافية من الأستاذ نبيل فرج.

وقد اخترت لكم بعض ما كتبه بالكتاب عن الأديب الروسى الكبير «ليو تولستوى» عبر عدة لقاءات تمت بينهما والأخير فى مرضه الذى أودى به. (يداه عجيبتان- قبيحتان - تشوههما عروق متورمة، ومع ذلك فهما معبرتان بشكل فائق، ومليئتان بقوة الخلق، ربما كان لـ «ليوناردو دافنشى» يدان كَيَدَيْهِ، إن أى شىء يمكن أن تصنعه يدان كهاتين. وهو أحيانا، عندما يتحدث، يحرك أصابعه، يثنيهما بالتدريج ويبسطهما، بينما ينطق بكلمات رائعة لها وزنها). (لو أنه سمكة، لاستوطن المحيط بالتأكيد، وما كان ليسبح أبدًا فى البحار الداخلية، بل فى الأنهار، وربما تندفع سمكة نهرية نحوه، ما يقوله لا يثير اهتمامها، ولا يرضى لها حاجة، وسكونه لا يفزعها، ولا يؤثر فيها بأى شكل، ولكنه يعرف كيف يسكت فى فى مهابة وبمقدرة، مثل ناسك حقيقى، صحيح هو يتحدث كثيرًا عن الموضوعات التى تستحوذ عليه، ولكن المرء يحس أن ثمة أشياء لا يستطيع قولها لأحد. وربما كانت أفكاره التى يخافها). ومن أقوال تولستوى (العلم سبيكة ذهبية طبخها كيميائى مشعوذ. تريد أن تبسّطها وتجعلها مفهومة للكافة، هذا معناه بتعبير آخر أن تسكّ أى كمية من العملة الزائفة. وحين يكتشف الناس القيمة الحقيقية لهذه النقود لن يحمدوك عليها).

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية