أن تكون متفائلا أصبح حالا وإحساساً نادراً هذه الأيام.. صح؟؟؟ ولكن ربما قد تصدم عندما تعلم أن التفاؤل هو شعور بيولوجى يسكن فى العقل ويولد به البشر بالإضافة إلى قدرته على التطور مع عمر الإنسان مقاوما لأى هزات قد يتعرض لها عبر سنوات عمره.. لذا ربما لن يكون بعد ذلك من حقك أن تدعى أنك غير متفائل..!!! إلا فى بعض الحالات.. كيف ذلك؟.. دعنى أشرح لك..
علم التفاؤل هو علم اكتشفه العلماء حديثا.. هو ليس شعورا إيجابيا يدفع فقط المحظوظين به إلى المزيد من السعادة والأمل، بل هو علم يفتح الباب إلى ثورة سيكولوچية جديدة تؤكد أن العقل البشرى لا يختزن فقط الماضى بل هو قادر على التطور والتطلع نحو المستقبل «الطازج» الجديد وهو ما يسمح لهذا الإحساس (التفاؤل) بالتطور والتجدد ليصبح ٨٠٪ منا يتمتعون بهذا الشعور، أما الـ٢٠٪ الباقون فهم للأسف المرضى الذين يعانون من أمراض الاكتئاب المزمن.
هذا الشعور الإيجابى الفطرى المولد لا يتأثر كما كنا نعتقد وكما تقول الباحثة وأستاذة الجهاز العصبى «تالى شاروت» مع ما يدور حولنا من مشاكل ناتجة عن الصراعات والحروب والبطالة والكوارث الطبيعية وكل ما يصيب الإنسان من عوامل الفشل والإحباط المهددة لحياته، بل إن الشعور الحقيقى بالتشاؤم دائما ما يتخذ مسارا بعيدا عن المستقبل أو الحالة الشخصية للفرد ويركز على العوامل والاتجاهات والأدوار البعيدة عن ذاته.. مثل الخوف والتشاؤم مثلا من عدم قدرة الدولة على إصلاح التعليم أو تحسين الصحة أو توفير فرص العمل والتأمينات اللازمة وغير ذلك من القضايا الخارجة عن سيطرة العقل الفردى، مشيرة إلى أننا كبشر نجنح أن نكون متفائلين أكثر من واقعيين وأن الشعور بالتفاؤل يبدأ من خلال هذه الموهبة العقلية الفذة القادرة على السفر عبر الزمان والمكان داخل العقل الأمر الذى يسمح أن نعيش المستقبل ونحلم أن الأشياء سوف تكون أفضل، وهذا ما يتمتع به الأشخاص الإيجابيون.
التفاؤل له أيضا أبعاده السلبية التى تمنعنا أحيانا من الوقوف على أرض الواقع والانتباه أحيانا إلى ما يحجبه الزمن، وبالتالى يبعد صوابنا عن الحفاظ على صحتنا أو الحرص على مدخراتنا واستثماراتنا - وكأن كل شىء على ما يرام - وما إلى ذلك من سلوكيات تنبعث نتيجة الإفراط فى التفاؤل، ولذا كما تقول الباحثة والمؤلفة للكتاب الشهير «علم التفاؤل»: إننا حتى نتقدم علينا أن نبحث عن بدائل لهذا الواقع الذى نعيش فيه، ويتم ذلك من خلال ثقتنا فى قدرتنا على تغيير هذا الواقع والأخذ به إلى آفاق ربما قد تفوق خيالاتنا.. هذا الإيمان وهذه الثقة هما ما سوف يساعدان على تحفيز أهدافنا حتى لو كان هذا المستقبل به من الخيال والوهم، ولكنه سوف يكون قادرا على تحقيق مزايا أخرى تسمح للعقل بالراحة، والحد من التوتر وتحسين الصحة البدنية للإنسان، وهذا ما نطلق عليه «خيط الأمل» هذا الخيط الذى يربطنا بالأمل ويجنبنا التغلب على الكثير من الأمراض والصعاب حتى تمر وتصيب حياتنا وهو ما يفسر تغلب كثير من المرضى على أمراض فتاكة مثل السرطان عن غيرهم من الذين انقطع عندهم هذا الخيط.. يذكرنى هذا الخيط بمقولة للزعيم وينستون تشيرتشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، عندما قال: «إن المتشائم يرى الصعوبة فى كل فرصة أما المتفائل فيرى فرصة فى كل صعوبة».
فهيا دعونا نستثمر هذا العلم الحديث الذى يلفت انتباهنا إلى هذه الميزة الفطرية التى تولد معنا، مرنة الحركة، القادرة على تحسين جهازنا المناعى والعصبى... القادرة على منحنا الشدة والصلابة فى مواجهة الأزمات والمحن.
دعونا نفسح المجال للحلم بأن الغد أفضل وأن الصعاب سوف تقهر بهذا التفاؤل. واعلموا أن الأشخاص المتفائلين هم عادة الناجحون.. السعداء... هم الذين يؤمنون بأن الأحداث السلبية مؤقتة محدودة المجال وسهلة القهر... وأخيرا تذكروا أن هناك رابطا علميا يؤكد أن هناك خيطا وثيقا بين التفاؤل والامتنان... الشكر والحمد.. الشكر والحمد.. الشكر والحمد على كل هذه النعم التى تلمس حياتنا، أيا كان حجمها أو مصدرها، ولكننا للأسف لا نراها ولا نذكرها لأننا دائمو الشكوى أو ربما لأننا خلقنا ثقافة اسمها التشاؤم!!!