x

سيلڤيا النقادى لمن نكتب؟.. لمن تدق الأجراس؟ سيلڤيا النقادى الجمعة 05-02-2016 21:21


عنوان أخذ يلح علىّ طوال الأيام الماضية وأنا أفكر فيما أريد أن أكتبه فى مقال هذا الأسبوع.. انتابنى شعور غريب وأنا أمسك بهذا القلم؛ صديقى الذى يلازمنى أينما ذهبت، مدوناً لفكرى ومشاعرى التى أريد نقلها لمن يرغب أن تدق سطورى جرساً فى أذنيه!! ولأن الأحداث كانت كثيرة.. متلاحقة ومؤلمة لذا فقد وجدت نفسى فى حيرة فى اختيار الموضوع الذى أحب التحدث عنه، بل الأخطر من هذه الحيرة كان هذا الإحباط الذى أحاطنى وجعلنى أتساءل: لمن أكتب؟.. ولمن تدق الأجراس؟.. لمن يصله أنين هذه الأقلام التى تعتصر كل يوم فى صحيفة أو كتاب أو مدونة، مسجلة صراخاً وفكراً ربما لم يعد يسمعه أو يصغ إليه أحد!! فهل فقد العالم إنسانيته؟ ولم يعد شىء يحركه؟.. لا بكاء أو جوع أو غرق طفل يُدمع عينيه.. ولا اغتصاب امرأة أو أشلاء رجل يقشعر له جسده؟.. لا تاريخ يُمحى.. أو أوطان يُشطب وجودها تحرك له رمشاً!!.. فلمن نكتب ولمن تدق أجراسنا؟. يبقى فقط قلمى، رفيقى يحمل إنسانيته الخاصة التى مازال يحتفظ بها حتى الآن عندما تسمح له يدى أن ينساب بدلال على الورق يكتب بفخر وثقة أنه مازال موجودا بين أصابع يد ترفض أن تتركه من أجل آله تكنولوجية حديثة جافة سريعة الإيقاع يصعب أن تنافس رقة وإنسانية القلم.. فدعونى أحدثكم عنه.

عندما كنت طفلة صغيرة لم أكن ضمن هؤلاء الذين يجيدون فن الخط.. بل كنت أشعر بالضيق الشديد عندما كان يطلب منى تجويد خطى والتدريب لساعات طويلة حتى تخرج خطوط تتزين حروفها بأشكال رشيقة وانسيابية شبه راقصة. كان هذا التجويد بالنسبة لى مضيعة للوقت وإهدارا له، وأن الفيصل فى هذه القصة المزعجة هو كتابة هجاء الكلمات صحيحاً وينتهى الأمر عند هذا الحد.. ولكن معلمى الذى كان لا يكل ولا يمل ويتعامل معنا وكأنه أستاذ لفنون الباليه، وليس فنون الخط، يعلمنا كيف نتعامل مع فنون الكتابة.. فقد كان علينا أولاً أن نتخذ وضع جلوس صحيحاً.. الميل قليلاً للأمام من الخصر.. الأذرع تستريح لا تستند والورق فى وضع أمامى مستقيم.. أستاذى كان يقول «الكتابة الجميلة هى التى تحقق نغمة متجانسة بين المسافة والوضوح، وعلينا أن نستعين بخلفية من الموسيقى أو الغناء المحبب لقلوبنا أثناء عملية التدريب حتى نحصل على هذا النغم الجميل!! ومع ذلك لم أستوعب ذلك.. لم أستوعب أن القلم هو لسان العقل وروحه، حتى كبرت وأصبحت مثل الأغلبية منا عبيدا لهذه الآلة الإلكترونية الصارمة الخالية من عاطفة القلم.. من صبره.. من طاعته.. من رهافة إحساسه وعلاقته بما يفكر فيه ويكتبه صاحبه. جف حبر القلم مثلما جفت مشاعرنا واتخذت أصابع أيدينا منحنى آخر أكثر استقامة بعيداً عن دلال وخفة القلم، وأصبح صوت وسرعة دقات أصابعنا على الآلة هو تذكرة متوترة ومستمرة على سرعة إيقاع الحياة وقلة الوقت. مع هذه الآلة اختفى كتاب المذكرات، وتفاخر الإنسان بالتوقيع على دفتر الشيكات!! وحتى «عضعضة» القلم الطفولية عندما يسبح العقل ويشرد بعيداً عن الكتابة، تلاشت!! ومع ذلك، فإننا فى أوقات الشجن والإلهام يبحث كثير منا عن العزاء والسلوان بين إنسانية القلم والورقة.. بين الرصاص والحبر.. فعندما يكون العقل متدفقاً تصبح منطقية هذه الآلة فى غير محلها، حيث تلهث الأفكار وتجرى الإلهامات وراء انسيابية اليد ومرونتها.. فهذا الإيقاع اليدوى يربطنا بأشياء ودية وفطرية تقودها كيميائية ناجحة بين اليد والمعصم.. فى نفس الوقت فإن الكتابة تتوافق مع النظرية السيكولوجية المرتبطة بالتدفق والجريان، حيث تكمن السعادة فى هذه الأنشطة التى تغمرنا ببؤر تركيزية وإنسانية عالية لا تختلف كثيراً عن العزف على البيانو. إن لمسة اليد على الصفحة، وبهجة وحسية الورق ورائحة الحبر ترتبط جميعها بذاكرة عضلات الأصابع الصغيرة المخزنة منذ الطفولة، وهى أسمى معانى الراحة النفسية التى نبحث عنها.

تذكرة ورسالة هادئة على الورق من القلم، فى زمن تتلاشى منه الذكريات الجميلة وإنسانية البشر!! فهيا دعونا نرفع القبعة لإنسانية القلم!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية