x

جيهان فوزي خطيئة عكاشة وجريمة الإعلام جيهان فوزي الجمعة 04-03-2016 20:39


أخطأ توفيق عكاشة، وكانت سقطته الأخيرة القشة التي قصمت ظهر البعير , كثرت تجاوزاته وتجاسر على خصومه والخوض فيما لا يعنيه ودس أنفه في المحظور , تمادى في الانتقاد ومن ثم السباب والهجوم والتشكيك , لم يكن كرسى واحد في الكلوب فقط من أطفأ أنواره الساطعة في سماء الإعلام «المتوحش» , لم يصدق أن هفوة صغيرة في يم سقطاته , وتضخم «الأنا» لديه , كفيلة للاطاحة به في غمضة عين , لم يدرك مدى الجرم الذي يرتكبه في حق نفسه كواجهة إعلامية يفترض فيها الاتزان والاتساق , وحق المتلقى عليه في مصداقية هي أقل ما ينبغى عليه فعله , وهو المتباهى بال 95 ألف صوت انتخابى التي وضعته في أحضان البرلمان , بعد أن أودعوه ثقتهم وأحلامهم وتمنياتهم , فقد آثر أن يغمض عينيه كى لا ترى سواه .
لم يكن لقاءه بالسفير الاسرائيلى «حاييم كورين» هو السبب الوحيد، بل كان السبب الأخير في ذيل قائمة طويلة من السقطات المهنية التي أودت به إلى طريق المجهول , وفى لحظة هٌدم المعبدعليه وتحول بريق الأضواء من حوله لمن كان يرى فيه شجاعة المبادرة وجرأة التناول للقضايا الشائكة , إلى نيران مشتعلة فتكت به وأحرقت تاريخه ومسيرته الاعلامية والسياسية تاركة رماده يتناثر بين الشامتين والغاضبين والرافضين لأسلوبه الهجومى المتخبط غير اللائق أو المسؤول .
الغرور الذي بلغ مداه وأوصله إلى القمة، هو نفسه الذي هوى به إلى القاع , آفة الغرور والغطرسة لا يختص بهما وحده , بل إن الكثير من الاعلاميين الذين يطلون علينا في برامج «التوك شو» قد انتابتهم حالة من سعار العظمة وتضخم الذات حتى نسوا أنهم في مهمة مقدسة قوامها الصدق والموضوعية والأهم المهنية والتواضع , الحالة الاعلامية أصبحت مزرية وفى أدنى مستوياتها حتى أنها باتت تشكل صداعا للرئيس نفسه , فانتقد الاعلام في أكثر من مناسبة لما يعانيه من ترهل وانعدام المسؤولية , التملق والنفاق المستتر , إعلام أقرب إلى الردح «إعلام المصاطب» يتاجر بمشاعر الناس وأحلامها , تخلى عن مبادئ المهنة وباع نفسه لمن يدفع أكثر .
الرئيس السيسى كان يطمح أن تكون شاشات الفضائيات منابر للتنوير وتوعية المجتمع، فوجدها تتحول إلى ساحات معارك شخصية واتهامات متبادلة وتقطيع في جسد الوطن , لام السيسى الاعلام مباشرة فقد خيب أمله في أن يصب في مصلحة الوطن وليس من أجل مصالح أصحاب النفوذ , فسر البعض انتقاداته المتكررة بأنها بداية لمرحلة تكميم الأفواه والتضييق على الحريات , غير أن هناك خيط رفيع بين الحرية والانفلات بين المسؤولية وبيع الضمير , بين المهنية والبزنسة , بين إعلام أشخاص يديرونه على هواهم وإعلام مسؤول عن البناء لا يحمل معاول الهدم ؟
وصل الحال أن يشتكى الرئيس للشعب فقد ضاق ذرعا بما تلوكه الألسن وتسنه سكاكين الأقلام لتنحر ما تبقى من استقرار هش، وهو نفس الشعب الذي حيرته الوجوه المقنعة التي تطل عليه كل يوم تدس له السم في العسل تحت عنوان المكاشفة والمصارحة .
الشعب ضجر من الاعلام ومستوى الاسفاف الذي وصل إليه وأصبح أكثر غضبا من الرئيس، هم يعلمون أن كوارثه استفحلت وملفاته تضخمت , ويدركون أيضا أن بعض الاعلاميين استغلوا الشاشات ومساحات الهواء بلا ضمير ولا خوف على البلد , كان يبحث وسط ركام الاحباط الذي يصدره الاعلام , عن حلول وحقائق مجردة من الأهواء والغايات الخبيثة , كان يتمنى أن يقدم الاعلاميون الأمل بدلا من اليأس , لكن الاعلام والاعلاميين خذلوه وصدروا له الأزمات والصراعات ونشر الفضائح لبعضهم على الهواء مباشرة , تخلى عن رسالته ومهنيته فكثرت سقطاته وخطاياه , وأصبح بحاجة إلى وقفة جادة تعيده إلى رشده .
لايمكن إعفاء الدولة من المسؤولية عما وصل إليه حال الاعلام من تردى وربما شاركت في الجريمة، بإعادة انتاج بعض إعلاميى العهد الماضى الذين أفسدوا المناخ الاعلامى وحولوه إلى عزب تخدم مصالح أشخاص وسياسات بعينها , خاصة وأن هذا الاعلام لم يحافظ على دوره التنويرى المحايد بعد ثورتين , وقرر أن يكون عبئ على الدولة والمواطن في آن واحد , ويكمن جوهر المشكلة في المعايير غير الموضوعية في اختيار العاملين في الحقل الاعلامى بعيدا عن المهنية والكفاءة , يفتقر للتوازن ويضعف أمام المصلحة , يعانى من مجموعة من الأمراض الاعلامية الخطيرة لعل أهمها ما بات يعرف «بالتسريبات الاعلامية» التي تخوض في الأعراض وتحط من قدر المواطنيين وتنتهك خصوصيتهم , ذلك السلاح القذر الذي بدأ يفتك بضحاياه بشراسة في الآونة الأخيرة على الهواء مباشرة , يدخل كل بيت ليثير الجدل والصدمة , يستنزف الطاقات ويبث الشكوك دون طائل أو هدف , من على شاكلة عكاشة كثيرين وبات ملحا التدقيق في المعايير المهنية وتنقيتها من الشوائب والانحرافات , ربما حينها نستطيع الحصول على إعلام خالص من الأهواء والمصالح لوجه الله والوطن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية