x

مجدي الجلاد «بلد فى السلخانة»..! مجدي الجلاد الثلاثاء 01-03-2016 21:40


مات «حق الاختلاف».. ودفناه.. دون جنازة ولا حتى سرادق عزاء..!

أنت تختلف معى.. إذن أنت خائن وعميل.. أو تستحق تشويه السمعة.. وربما طعنك فى شرفك وعرضك..!

لا يدرك أحد منا أن الأمم المتقدمة لم تعتمد على البناء والتشييد بقدر اعتنائها بحرية العقل.. بانفتاح الذهن على كل الآراء.. باتساع الصدر للرؤى المختلفة..!

يقول «جورج واشنطن» أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية: «إذا سلبنا حرية التعبير عن الرأى فسوف نصير مثل الدابة البكماء التى تقاد إلى المسلخ».

نحن جميعاً نعيش الآن فى «مسلخ».. الدماء تسيل على الأرض وتلطخ الجدران.. كل واحد يمسك «أداة الدبح» التى تلائمه.. أحدنا يقبض على سكين مسنونة لزوم «الطعن».. وآخر يرفع «ساطوراً» ليجز الرقاب.. وثالث لا يكتفى بهذا وذاك.. ذهب إلى «الحداد» ليصنع له «بلطة عمولة» ليحطم الرأس الذى يفكر.. ويخلع القلب الذى ينبض.. ويدغدغ العظام الواهنة من فرط الألم..!

كلنا فى «المسلخ».. قتلة وضحايا.. لا أستثنى أحداً.. لا دولة.. ولا مواطنين..!

فى «المسلخ».. اختلف «إعلامى» مع «نائب برلمانى».. كلاهما رأى اختلاف الآخر خيانة.. تحول الحوار إلى تهديد متبادل واستعراض عضلات.. ثم تجاوز الاختلاف حدود التهديد إلى «الطعن فى الشرف والعرض».. باتت نساؤنا وأعراضهن مادة خصبة وممتعة لـ«نميمة العرب» على شبكة التواصل الاجتماعى..!

لا يسألك أحدهم بفضول «هو اللى بيتقال علناً ده حقيقى؟!».. وإنما يفاجئك «هى إيه تفاصيل الحكاية؟!.. هى العلاقة بتاعة الست دى كانت إزاى؟!.. هو فلان ده شاذ جنسياً من زمان ولا على كبر؟!.. هى القصة دى لها سى دى ولا صور..؟»..!

الكل يبحث عن «تسريبة» شهوانية.. لا يهمه إن كان الكلام مرسلاً.. أو الواقعة مفبركة.. أو حجم نزيف الطعنة فى «أجساد الأشخاص والعائلات»!

لا أحد يفكر فى خطورة الحالة ذاتها.. ولا أحد يحلل أسباب الظاهرة.. ولا أحد يسأل نفسه: «لماذا يتجنى الأشخاص على أعراض وخصوصيات الآخرين؟!».. لأن أحداً منا لا يقوى على الاعتراف بأن الدولة ذاتها فعلتها من قبل..!

فى «المسلخ».. اختلف مواطنون - سياسيون أو غيرهم - مع الدولة.. فكان الرد اتهامات بالخيانة والعمالة.. ثم تسريبات تكشف غطاء الستر الذى أنعم الله به عز وجل على الجميع..!

يقول الفيلسوف الفرنسى فولتير: «إننى أختلف معك فى كل كلمة تقولها، لكننى سأدافع حتى الموت عن حقك فى أن تقول ما تريد»..!

نقول نحن: «إننى أختلف معك فى كل كلمة تقولها، لكننى سأقطع رقبتك.. سأسجنك.. سأطعن فى شرف نسائك إن قلت ما تريد»..!

فى «المسلخ».. برلمان لم يقدم للوطن شيئاً على مدى أكثر من شهرين، لأنه منهمك فى إطفاء حرائق «الاختلاف الدموى».. لا يدرك نوابنا أن فكرة المجالس النيابية قائمة أصلاً على «الاختلاف».. لذا بات الخبر البرلمانى اليومى المعتاد «خناقة عنيفة بين فلان وعلان.. أو طرد فلان لأنه تجاوز فى الحوار».. لا تندهش.. فذاك البرلمان جنين طبيعى لمجتمع «المسلخ».. مجتمع مفعم بالطاقة السلبية.. مجتمع يتلذذ بمذاق الدم.. ويتناول «الفضائح» مع طبق الفول أو السيمون فيميه.. لا فرق!

فى «المسلخ».. إعلام لا يأبه بوظيفته الحقيقية كوعاء للحوار الإيجابى والاختلاف المثمر.. بقدر اهتمامه بالفضائح و«الخناقات وصراع الديوك».. صحف ومواقع تلهث وراء الإثارة والإسفاف.. وفيس بوك «شهوانى».. وشاشات مسائية تحتفى بالأراجوزات، وتستبعد الوجوه المحترمة..!

يقول الفيلسوف والمناضل الهندى المهاتما غاندى: «أن تقال كلمة لا عن اقتناع عميق هو أفضل من قول نعم لمجرد إرضاء أو لسبب أسوأ، هو تجنب المشاكل»..!

«غاندى» كان مخطئاً.. لأن دولة التقدم التى نبنيها الآن لا تكره كلمة «لا» فحسب.. وإنما ترفض عبارة «نعم.. ولكن».. تبغض جملة «أنا معك.. بس مختلف فى بعض التفاصيل».. نحن جميعاً - ليس الدولة وحدها - يركبنا ألف «عفريت»، ننسى «نعم».. ونجز رقبتك من الحلقوم لأنك تجرأت وتجاسرت واستطردت بـ«لكن.. بس.. عندى فكرة.. ربما يكون هناك طريق آخر... إلخ»!

فى ظنى أن الانفعال وكراهية الآخر لأنه يؤمن برأى مختلف ينتج دائماً عن عدم ثقة بالنفس.. فالمرء الذى ينتقم منك لمجرد أنك اختلفت معه فى الأفكار أو الرؤى، إنما يريد أن يرهبك عن الاختلاف.. يسجنك.. يقتلك.. يطعنك فى سمعتك أو شرفك.. هدفه الدائم أن تصمت.. سواء طواعية.. أو تهديداً.. أو تصفية واغتيالاً جسدياً أو معنوياً..!

يقول الكاتب الأيرلندى الأشهر جورج برنارد شو: «أشعر بالثقة بنفسى حين أتحاور مع الآخرين.. فمن المؤكد أن لديهم ما لا أعرفه.. أو بعضه على الأقل»!

فى «المسلخ».. جثث وأشلاء ودماء.. وأعراض أيضاً.. غير أن الخطر المحدق بهذا البلد أن مصرياً بات بالنسبة لمصرى «آخر».. فاستحل دمه وشرفه وسمعته!

.. هل عرفنا الآن لماذا استقبل توفيق عكاشة السفير الإسرائيلى على مسافة عدة كيلومترات من مدرسة «بحر البقر» التى لاتزال تنزف بدماء أطفالنا؟!

.. هل عرفنا الآن لماذا تزداد أعداد المصريين فى «تل أبيب».. لدرجة أن بعضهم يفخر بذلك فى مداخلات هاتفية؟!

.. هل عرفنا الآن لماذا يسكن حلم الهجرة عقول وقلوب شبابنا - أغنياء وفقراء - رغم ندرة الفرص فى الخارج؟!

لقد قتلنا فى نفوسهم قيمة القدوة وفضيلة «الاختلاف».. وبات «الآخر» مصرياً.. أو أجنبياً.. فما الذى يدعوهم للبقاء مع «آخر» فى «مسلخ».. بينما يرون «الآخر» فى الغرب متحضراً ومتقبلاً للاختلاف.. حتى لو كان وهماً؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية