x

غادة شريف بلد الفساد والنفسنة! غادة شريف الإثنين 07-12-2015 21:22


نسمع كثيرا مؤخرا بشكل مكثف عن خطة الحكومة الجبارة فى مواجهة الفساد، وهذا كلام جميل وكلام معقول، لكن إنت بقى لو عارف تاريخ بلدك لأيقنت أن تفشى الفساد ما هو إلا بسبب إن العرق بيمد لسابع جد..

يذكر كتاب «تاريخ وقايع مصر» الصادر عن دار الكتب والوثائق القومية، أنه فى عهد السلطان العثمانى محمود الأول، كان كبار تجار الصعيد عددهم خمسة وكانوا «مظبطين» أمورهم مع السلطنة من حيث الهدايا والخدمات والإكراميات لهذا لم يجدوا أى حرج فى أن يقسموا منطقة الصعيد إلى خمسة قطاعات على مقاسهم بحيث تؤول إليهم خيرات الأرض من محاصيل ومكوس تفرض على الأهالى، وطبقا للكتاب تم تقسيم الأرض وتوزيع الخيرات بمباركة الحكومة..

ورغم أن هؤلاء العثمانيين أتوا بعد المماليك الذين هبطوا بالبلاد لأدنى مستوياتها، إلا أن رجال الأعمال وقتها كانوا يحظون بالحظوة الكبرى عند السلاطين..

فى كتاب الدكتور قاسم عبده قاسم «عصر سلاطين المماليك- دراسات فى تاريخ مصر الاجتماعى» يذكر المؤلف أن التجار فى عصر المماليك كانوا يشكلون فئة اجتماعية عليا فى المجتمع القاهرى، وكانوا يقتربون إلى حد كبير من دائرة السلطان دون غيرهم من الفئات الأخرى لدرجة أن السلطان خصص لبعض منهم وظيفة النظار والتى كانت تمكنهم من احتكار التجارة فى سلع بعينها!..

ألا يذكرك هذا بما كان يحدث فى عهد مبارك؟.. وسبحان الله يا أخى كان هناك أيضا تداخل فى التجارة ورشاوى بين أمراء المماليك فى السلطنة ورجال الأعمال آنذاك فكان من المألوف أن يقوم أحد التجار بإعطاء أحد الأمراء - الوزراء حاليا- مبلغا من المال مقابل تيسير أمر ما، مثلما يحدث الآن تماما وكأن مصر مازالت بحطة إيد المماليك والعثمانيين كما تركوها!...

لذلك فالعجيب ليس فى وجود الفساد بيننا، لكن العجيب هو أنه مازالت هناك خيرات يمكن نهبها رغم أن النهب بدأ منذ مئات السنين!!..

لكن للأسف أنه مع ازدياد الفساد وغياب الردع تفشى الحقد جنبا إلى جنب مع الفساد.. لذلك لا يجتمع الرئيس برجال الأعمال إلا وتسمع تعليقات فى الشارع عن ضرورة معاقبتهم على ما وضعوا أيديهم عليه من أراضى الدولة!.. حتى عندما يتم القبض على مسؤول مرتشى أو فاسد نجد الناس فى الشارع لا تهتم إلا بحصر تفاصيل الرشوة وتفاصيل ممتلكاته من باب القر والنفسنة و«جتنا نيلة فى حظنا الهباب» فتشعر أنك أمام شعب منفسن لا يملك إلا مخ صغير ومجهود قليل ولسان أطول من كوبرى أكتوبر!...

رجال الأعمال أيضا من ناحيتهم يرون البسطاء «حشرات ملوثة للبيئة» ويستحسن طردهم من أراضيهم وإقامة الأبراج عليها!.. رجال الأعمال لا يتنازلون عن أرباح مبالغ فيها ولا يؤدون ما عليهم من ضرائب لتتمكن الدولة من دعم المهمشين، بينما المهمشين يعتقدون أنه لو زالت النعمة عن رجال الأعمال فستؤول إليهم خبط لزق كدا هو!..

تلك الكراهية المتبادلة هى التى تمنعنا من التقدم.. الدكتور سيد عشماوى فى كتابه، «الجماعات الهامشية فى تاريخ مصر الاجتماعى الحديث» يقول أن تاريخ الهامشيين ارتبط منذ اللحظة الأولى بخروجهم إلى الأطراف وابتعادهم عن المركز، لأن المجتمع يلفظهم، ولا هم يرحبون بالاندماج فيه، فنشأوا منفصلين عنه.. مثلا معروف أن العصر المملوكى شهد نشوء حى الحسينية خارج أبواب القاهرة وتشكل سكانه من البطالين ممن أطلق على بقاياهم اسم الفتوات والجدعان، وكثيرا ما اختلطت تحركات العوام بتحركات الهامشيين ليبرز الدور السياسى لهم.. فعلى سبيل المثال كان هؤلاء المهمشون هم الأبطال الحقيقيون لثورات القاهرة المتعددة ضد الاحتلال الفرنسى لمصر..

وظلت بقايا تلك الجماعات حتى ثورة ١٩حين امتنع النشالون عن النشل تضامنا مع سعد زغلول مع أنه لم يكن ينشل معهم.. أيضا ذكرت مجلة صباح الخير فى عددها الصادر فى ١٥ نوفمبر ١٩٥٦ أن فتوات الحسينية اجتمعوا فى بيت أحدهم ويسمى «سيدهم الجدع» وقرروا فض خصوماتهم والذهاب لحمل السلاح مع الأهالى والفدائيين.. إذن بذور الانتماء والصلاح موجودة لدى المهمشين وتحتاج من يرعاها، لذلك أتساءل، لماذا لا يتم تكليف كل رجل أعمال بتطوير منطقة عشوائية وإعادة تأهيل سكانها بجانب استثماراته، على أن يتم منحه إعفاءات ضريبية مناسبة؟.. يا رجال الأعمال ليه ما تلاعبوش البسطاء معاكم؟.. لاعبوهم «سيجا»، لاعبوهم «بنك الحظ»، بس بلاش «صلَح» والنبى أحسن قفاهم ورم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية