x

سليمان الحكيم لا تمنُّوا علينا بتضحياتكم! سليمان الحكيم السبت 27-02-2016 21:36


ما من مرة ننحَى فيها باللائمة على أحد عناصر الشرطة لخروجه على القانون متجاوزاً سلطاته، أو مستغلاً نفوذه، إلا ويأتينا الرد بالحديث عن تضحيات الشرطة، وشهداء الشرطة، وأفضال الشرطة، فلولاهم لما كنا ننعم بالأمان فى طرقاتنا أو بيوتنا. ولهذا ينبغى أن ندين لهم بالرقاب فنتغاضى عن الأخطاء التى يرتكبها المنتسبون لهذا الجهاز فى مقابل ما يوفرونه لنا من أمان. حديث المنة والتفضل هذا أصبح مكرراً ومعاداً من كثيرين يريدون لنا السكوت والرضوخ حتى لا نعكر صفو العلاقة التى تربط المواطن بشرطته، وأن نتقبل منهم صاغرين كل ما ترتكبه عناصرها من انتهاكات للقانون وتجاوزات ضد الكرامة. والحقيقة أننا مللنا هذا الحديث بعد أن بات مكرراً وممجوجاً، خاصة أنهم يطالبوننا بالموافقة على مقايضة كرامتنا بالأمن، ومبادلة حريتنا بالاستقرار. فلكى ننعم بالأمان الذى توفره لنا الشرطة علينا أن نتنازل طواعية- أو صاغرين- عن حقنا فى الكرامة والحرية. فإذا اعترضنا على هذه الصفقة الجائرة أصبحنا فى عداد المتآمرين على الدولة الذين يسعون لإسقاطها، كما لو كان من ضرورات إقامة الدول واستقرارها أن تحكم شعباً بلا كرامة ملتزماً بالخنوع والرضوخ!

والحقيقة أن أصحاب حديث المنة والتفضل، كلاماً عن تضحيات الشرطة، يتجاهلون كثيراً من الحقائق الراسخة بوضوح، منها مثلاً أن منتسبى الشرطة- خاصة ضباطها- قد التحقوا بالجهاز عن رغبة ملحة دفع البعض غالياً لتحقيقها، وهو يعرف حق المعرفة أنه لم يلتحق بوظيفة ترفيهية يغلب عليها طابع الترويح والمتعة، بل يغلب عليها التضحية والفداء والبذل. وحديث المنة الذى كثر هذه الأيام يعنى أن هؤلاء قد التحقوا بوظيفة تحقق لهم الشعور بالسيادة والعلو لمجرد التميز، ثم جاء مَنْ غرَّر بهم ليدفعهم إلى موقف التضحية الذى لم يكونوا مستعدين له!

لقد كانت التضحية إذن واجباً عليهم. هى عملهم الذى يؤدونه بمقابل، بينما التضحية الحقيقية لا ينبغى أن يكون لها مقابل. وقد كان منتسبو الشرطة من أكثر الفئات بالدولة التى حصلت على مقابل ما يقولون إنها تضحيات منهم، فقد ترقَّى أكثر من خمسة آلاف منهم من رتبة الأمين إلى رتبة الضابط، وأسقطت عنهم المحاكمات العسكرية التى كانوا ضجرين بها، بل أسقطت عن الآلاف منهم أحكام جنائية جرى فصلهم من الجهاز بسببها ثم أعيدوا إليه مجبورين، وزيدت رواتبهم وامتيازاتهم أضعافاً مضاعفة، فضلاً عن مستشفياتهم الخاصة التى حرم منها ملايين المواطنين، ثم بعد ذلك كله يأتى من يحدثنا عن تضحيات يقدمونها لنا، ونحن الذين نقتطع من أقواتنا لنطعمهم، ونفقر لنغنيهم، فمن إذن يمن على شعبه ويتفضل عليه، والشعب هو الذى يمن على الجميع.. لا تمنُّوا علينا، بل نحن الذين نمن عليكم، فكفوا عن حديث المنة والتفضل على شعب جاع ليشبعكم. وتعرى ليكسوكم!!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية