سوف تستوقفك ثلاثة أشياء فى مبادرات التبرع التسعة، التى رصدتها «المصرى اليوم» على صدر صفحتها الأولى، صباح الجمعة!
الأول أنه لم تكن هناك أى مبادرة من هذا النوع فى عهد الرئيس السادات، فالمبادرة الأولى كانت «مشروع القرش» الذى دعا إليه أحمد حسين وفتحى رضوان عام 1931، وكان الهدف إنشاء مصنع طرابيش فى العباسية.. وبعدها جاءت مبادرتان مع ثورة يوليو 1952.
وكانت المبادرة الرابعة عام 67، بعد النكسة، لدعم الجيش، ثم كانت الخامسة عام 1985، فى أيام مبارك!
الشىء الثانى الذى يستوقفك أن المبادرة التاسعة، التى أطلقها الرئيس السيسى وأنشأ بها صندوق «تحيا مصر»، كانت أعلى المبادرات عائداً، بما يعكس مدى ثقة المصريين فى الرجل الذى لايزال مدعواً إلى أن «يُوظّف» هذه الثقة، بأفضل مما هو حاصل!
والشىء الثالث أن مبادرتين من بين التسعة، لم يعرف أحد مصير أموالهما حتى هذه اللحظة.. أما الأولى، فكانت فى أيام أن كان عصام شرف رئيساً للحكومة، وقد حدث أن جمعت أموالاً، ثم حدث أن اختفت الأموال، مع أنها أموال عامة، ومع أن اختفاء قرش واحد منها، دون أن نعرف أين ذهب وفى جيب من بالضبط، يظل جريمة فى حق شعب بكامله!
وأما الثانية، فهى مبادرة الشيخ محمد حسان، بهدف الاستغناء عن المعونة الأمريكية، وهى بدورها جمعت أموالاً، ثم اختفت تماماً، شأنها شأن مثيلتها فى أيام حكومة «شرف».. فأين أموال الشيخ حسان، وكيف يقبل هو على نفسه أن يقال عنه إنه جمع أموالاً من الناس، ثم لا يعرف أحد- أى أحد- أين هى؟! كيف يقبل الرجل هذا على نفسه، وهو الذى يسعى بيننا بلقب «الشيخ»، ثم وهو يخاطب مستمعيه، فى كل وقت، بما قال الله تعالى، وبما قال رسوله الكريم.. كيف؟!
لا تعرف فى الحقيقة، أين ذهب المال العام، فى الحالتين، وكأن هناك اتفاقاً بين أطراف ما، لا نعرفها، على عدم الرد على ما يثار بهذا الشأن.. مع أنه- للمرة الألف- مال عام!
التبرعات لا تبنى اقتصاداً بالطبع، مهما كان حجمها، وإنما يبنيه أن يمثل العمل قيمة فى المجتمع، وأن يمثل الإنتاج قيمة أخرى لدى الحكومة، وما عدا ذلك كلام فى تفاصيل، وقد كان تقديرى، ولايزال، أن الرئيس كان فى إمكانه أن يجمع مائة مثل ما جمع «تحيا مصر» لو أنه وضع نظاماً محكماً للضرائب، يضمن أن يذهب لخزانة الدولة كل قرش مستحق على كل من يمارس عملاً مربحاً فوق أرض البلد.
الاقتصادات لا تبنيها المِنَح ولا القروض ولا المعونات، والدول لا تحصل على دخل تريده، بسيف الحياء، من خلال «تحيا مصر» أو غير «تحيا مصر»، ولكنها تحصل عليه بالقانون، والقانون العادل على وجه التحديد!