x

عباس الطرابيلي الشربتلى: حوار.. أم روشتة علاج؟! عباس الطرابيلي الجمعة 26-02-2016 21:09


آه.. لو كان كل مسؤولينا يقرأون كما يتكلمون.. ولكن أكثرهم ليسوا كذلك.. فهل نسوا، كما نسينا، ميزة القراءة؟!

مناسبة هذا الكلام هذا الحديث - غير التقليدى - الذى كتبته الإعلامية اللامعة رانيا بدوى، ونشرته «المصرى اليوم» يوم الأربعاء الماضى.. ومنعنى من التعليق عليه دخولى المستشفى وإجراء عملية جراحية عاجلة.. وأرى أن هذا الحوار هو أفضل حوار تنشره الصحف المصرية منذ سنوات.. ليس بسبب قيمة الرجل، ولكن لما جاء به، وما صرح به.

والرجل من أقدم المستثمرين العرب السعوديين، وهو من أسرة تعشق مصر وكل المصريين، وله - ولوالده - أياد بيضاء على الاستثمار فيها.. فماذا قال.. وماذا فعل، بل قولوا: كيف عانى وتعب، حتى كاد يكفر من كثرة ما عاناه من مسؤولى مصر.

وهو لم يُدلِ بحوار، ولكنه كتب روشتة طبية وصف فيها «وشخّص» أحوال المستثمرين مع المسؤولين.. لم يكذب.. ولم يحاول أن يتجمل.. لأنه يعشق مصر.. فقد تعلم فيها.. وتزوج منها، ثم - بعد كل ما عاناه وأسرته وكل المستثمرين - قدم لنا «روشتة علاج» تأتى من طبيب يعرف.. طبيب عملى، له إسهامات عديدة فى العديد من الدول.. وهو يطبق هنا مقولة «صديقك من صَـدَقَك لا من صدَّقك» فماذا قال.. وما هو العلاج؟

البداية قوله إن وزراء مصر هم أفضل خبراء فى طرد المستثمرين.. بل قال صراحة إنكم لو جئتم بخبراء من العالم لطرد المستثمرين لما فعلوا أفضل مما يفعله وزراء مصر!! والغريب أن الرئيس السيسى يتحدث عن ضرورة جذب الاستثمارات.. ولكن المشكلة أن المناخ العام فى مصر طارد للاستثمار وليس جاذباً له.. والمؤسف أن كل ما نراه أن كل رئيس للوزراء لا يملك إصدار قرار، وينفذ من قبل الوزراء والموظفين، لسبب أساسى هو أن مصر «دولة موظفين» هم الذين يملكون تنفيذ كل شىء ولا يستطيع الوزراء أن يحركوا الجبل، أى لا يملكون تنفيذ أى قرار أصدروه إذا لم يعجب «دولة الموظفين» لأن رئيس الحكومة يذهب - بعد أن يَعِد - ويتم تغيير الحكومات، والوزراء.. ولكن يبقى الأمر كما هو «لا تحرك» لأن الموظفين «إذا لم يوقّعوا.. لن يوقّع الوزراء.. بل وأيضاً رئيس الوزراء».

والسبب تلك الأيدى المرتعشة، فالكل يخشى لأن البعض فى السجون أو يحاكمون.. وهكذا وجدنا حكومات ووزراء يعينون ويتغيرون دون أن يوقّع الواحد منهم ورقة واحدة.. وصاحب الحوار الشيخ عبدالرحمن الشربتلى يقول إنه يعذرهم جميعاً بسبب وجود وزراء فى السجن.. والكل يخشى نفس المصير.. والنتيجة: ازدياد تعقد الأمور فى مجال الاستثمار.

ويطرق المستثمر السعودى الشهير نقطة أخرى هى: عدم وفاء الدولة بتعاقداتها.. وبالذات منذ بداية أحداث الثورة وما تبعها.. ويبدو أنها ترى أن المستثمر سوف يقطع الأرض ويحملها على ظهره.. ويغادر مصر!! لذلك بات الكل مرعوباً.. المستثمرون كلهم.. والمسؤولون أيضاً، فالحكومات المتعاقبة «تعد ولا تفى»، وقلت ذلك قديماً للدكتور عاطف صدقى، وحديثاً للدكتور عاطف عبيد.. ومتأخراً للمهندس إبراهيم محلب.. ولكن الكارثة أن البيروقراطية فى مصر مميتة!! وهنا يؤكد الشربتلى - وحملت الأسرة اسمها من صنع «الشربات»، وهو ألذ شراب مصرى وعربى قديم، وكان يُصنع من الماء المثلج بعسل النحل.. وبرع إخواننا الشوام، وكذلك المصريون، فى صنعه من ورق الورد الأحمر «الجورى» وأفضله «شراب التوت» - أن السوق المصرية مليئة بالفرص الواعدة فى مجالات السياحة والطاقة والتصنيع والزراعة.. مع الاستثمار العقارى.

ونصل إلى أفضل علاج يقترحه واحد من أقدم وأكبر المستثمرين العرب، إذ يقول إن مصر تحتاج إلى منظومة تشريعية جاذبة للاستثمار، وضمانات لا تلغى الحوافز بعد صدور تلك التشريعات، منظومة تمتد لكل شىء.. ولا تجعل المستثمر يتحول إلى متسول على أبواب المسؤولين.. لأن مصر على أعتاب مرحلة فارقة.. إما التقدم والرقى.. وإما العودة إلى الوراء.

■ ■ ونعترف بأن مصر دولة مركزية - منذ الفراعنة - والحل لن يكون فى تغيير الحكومات.. ولا الوزراء.. بل فى العقول والتشريعات.. والأفعال.

وأقترح على الرئيس السيسى - وهو أكثرنا حرصاً على التقدم - أن يضع هذا الحوار - بكل ما فيه ولو كان مؤلماً - أمام الحكومة كلها.. بل وأن يشكل لجنة - ولو سرية - لتحويل أفكار هذا الرجل إلى برنامج عمل حقيقى للحكومة.. فهذا هو طريق التقدم.. إذا كنا جادين فى التقدم، فهو: روشتة نجاح.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية