x

عبد الناصر سلامة الحيطة المايلة عبد الناصر سلامة الأربعاء 24-02-2016 21:34


مع أزمة الدولار المتفاقمة الآن، نكتشف أن المصريين بالخارج، بمثابة (الحيطة المايلة) لأى نظام حُكم مأزوم، نسمع اقتراحات عجيبة وغريبة، سواء من إعلاميين، أو من أعضاء فى البرلمان، أو حتى من رجل الشارع، ما يجمع بين كل أصحاب تلك الفتاوى هو أنهم لم يغتربوا من قبل، لا يعرفون معنى الغربة، ولا ضريبتها، ولا مشاقها، ولا كيف يعيش الأغلب الأعم من المغتربين، البعض يتصور أنهم هناك يعيشون على الدولارات، هى الوسادة بالنسبة إليهم، كما هى الزِّى الرسمى، كما هى الحذاء، يرتدون الدولارات، ويقتاتون على اليورو، ويشربون الإسترلينى، لِم لا يرسل كل منهم إلى الوطن ولو مليوناً من هذه أو تلك بصفة يومية، أو حتى شهرية.

حتى الآن لا توجد مشكلة، الفتوى عن جهل هى آفة البلاد الآن، ليدلى كل من شاء بدلوه، إعلامياً كان أو برلمانياً، أو حتى استراتيجياً «من بتوع اليومين دول»، إلا أن الطامة الكبرى هى حينما نجد أن هذه أيضاً هى طريقة تفكير الدولة الرسمية، هى تصريحات بعض المسؤولين، المفترض أن الدولة الرسمية لديها تقارير ودراسات دقيقة عن أحوال مواطنيها فى الخارج، متوسط الدخل الشهرى، مستوى معيشتهم، معاناتهم، أوضاعهم بصفة عامة، هذه التقارير وتلك الدراسات تتجدد بصفة دورية، وإلا فلا حاجة لكل تلك المكاتب الخارجية، التى تستنزف الجزء الأكبر من العملة الأجنبية، بلا مقابل حقيقى.

ما لا يدركه البعض، ولا تدركه أيضاً الدولة، هو أن الجزء الأعظم من أبنائنا فى الخارج، كل ما يحققونه من التواجد فى الخارج، أو من الغربة، هو الحياة، مجرد الحياة، الإنفاق اليومى، وتربية الأبناء، وتعليمهم، ليس إلا، هذه هى الحقيقة، هذا القطاع الأغلب الأعم لا ينشد من الغربة أكثر من حياة كريمة، وأحياناً شبه كريمة، هو لم يجدها فى الداخل، هو لم يجد فى الداخل فرصة عمل أساساً، هجر الوطن انطلاقاً من قاعدة (فامشوا فى مناكبها وكُلوا من رزقه)، أصبح على قناعة بأن رزقه ليس هنا، أصبح على قناعة بذلك رغم آلام الغربة، رغم الإحساس بالغبن وبالدونية طوال الوقت.

هؤلاء المواطنون، الذين قد يصل عددهم لنحو ثمانية ملايين نسمة، قد رفعوا عن كاهل الدولة الكثير من المتطلبات، بخلاف فرصة العمل، سواء ما يتعلق منها بالمدارس، أو المسكن، أو المأكل، أو الكهرباء، الخدمات والمرافق بصفة عامة، الدعم فى مجالات كثيرة، أضف إلى ذلك أنهم فى النهاية سوف يرسلون تحويلات أياً كانت، حتى لو كانت فى نهاية حياتهم الوظيفية هناك، حتى لو كانت لشراء عقار، أو قطعة أرض، حتى لو كانت لمساعدة شخص ما، هم فى النهاية مساهمون إيجابيون فى بناء الوطن، كلٌ على طريقته الخاصة.

يجب أن نعترف بأن أزمة ما، قد حدثت خلال العامين ونصف العام الماضية، البعض أحجم عن إرسال تحويلات مالية بنفس القدر السابق على الأقل، اعتراضاً على أوضاع سياسية معينة، بالتأكيد لن يستطيع أحد إجباره على عكس ذلك، البعض الآخر، وخلال الأشهر القليلة الماضية تحديداً، بدأ أيضاً فى الإحجام عن إرسال تحويلات، مع ما يتواتر من أنباء حول رفض البنوك صرف الأموال لأصحابها بالدولار، أو بنفس العملة التى تم تحويلها، فقد تقوم بتحويل مبلغ ما، لشخص ما، وعند تسلم المبلغ فى مصر يجب أن يتسلمه بالعملة المحلية، وبالسعر الرسمى، بل قد لا تستطيع سحب كل المبلغ دفعة واحدة، هناك حد أقصى للسحب اليومى.

الأكثر من ذلك أنه لم تعد هناك ثقة فى المستقبل، بمعنى أن هناك مخاوف من قرارات الغد، أو الإجراءات التى يمكن أن تلجأ إليها الحكومة فى ظل ذلك التخبط، الأمر إذن كان يحتاج إلى علاج، وليس إلى مزيد من الجراح، الأمر يحتاج إلى طمأنة هؤلاء وأولئك، وليس إلى مزيد من أجواء التوتر معهم، ما نسمعه الآن يتعلق بفرض مزيد من الضرائب، فرض مزيد من الرسوم حال الخروج من البلاد، أو العودة إليها، فرض مزيد من الجمارك، من الآخر: فرض مزيد من الإتاوات.

نحن أيها السادة نتحدث عن مواطنين، نتحدث عن مكافحين، نتحدث عن عائلات أرهقتها الغربة، سواء كان جميع أفرادها بالخارج، أم أن الغربة قسمتهم هنا وهناك، نتحدث عن سنوات طويلة من الشقاء، كان يجب الطبطبة عليهم، بدلاً من ترصدهم، لا يجب، بأى حال، أن يشعر المواطن المغترب بأنه مفترى عليه، أو مضطهد داخل وطنه، وكأن الاضطهاد فى الخارج لم يكن كافياً، هذه هى الحقيقة، الحياة فى الخارج عنوانها الرئيسى هو اضطهاد ذلك المغترب، أو ذلك الوافد، كما يطلقون عليه فى دول الخليج تحديداً.

لنتق الله فى أبنائنا المغتربين، فى مواطنينا المكافحين، ولنبحث عن «حيطة مايلة» أخرى، نُعلق عليها شماعات الفشل التى ما أكثرها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية