x

عبد الناصر سلامة الكويتيون بين الشوكولاتة والحرب عبد الناصر سلامة الأحد 21-02-2016 21:35


قرأت مؤخراً خبرا مؤداه أن الشعب الكويتى الشقيق يستهلك يومياً شوكولاتة بنحو مليون دولار، هو خبر طريف وجميل، نُدرك من خلاله أننا أمام شعب راقٍ ذواق، يُحب الحياة، يُحب أن يكون سعيداً، فالشوكولاتة تجلب السعادة، والشعب الكويتى بحكم عوامل كثيرة يستحق ذلك.

إلا أننى أشعر بالأسى، حينما أجد أن دولة الكويت، ضمن الدول المشاركة فى قصف اليمن جواً فى إطار العدوان الحاصل على الشعب اليمنى، على الرغم من أن هذه المشاركة تأتى على استحياء، نزولاً على رغبة العربية السعودية، الدولة التى تقود ذلك العدوان، ورغم ذلك، لم يهضمها السعوديون، حيث كانوا يريدون مشاركة كويتية برّية.

شعورى بالأسى مبعثه أن دولة الكويت تحديداً من بين دول الخليج، تعرف معنى العدوان، أو معنى الغزو، أو معنى تشريد ومعاناة شعب، فقد عاش الشعب الكويتى هذه المأساة من قبل، فى عام ١٩٩٠ مع الغزو العراقى، ناهيك عن أن الكويت أيضاً يتميز بأنه كان الأسبق بين دول الخليج بتجاربه الديمقراطية، والسياسية، والإعلامية، بل تفوق بذلك على دول أخرى كثيرة فى المنطقة خارج الجغرافيا الخليجية، ناهيك عن أنه كان الشعب الأسبق أيضاً للثراء، وفى الوقت نفسه الأكثر عطاء للقضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، أو هكذا كانت.

الغريب أن يُتداول اسم الكويت الآن، بطريقة أو بأخرى فى العدوان المنتظر على الشعب السورى، وهو ما لا أريد تصديقه، فى وقت مازالت الأطماع تحيط فيه بالكويت من كل جانب، براً وبحراً، وهو الأمر الذى أتوقع أن يفطن له الأخوة الكويتيون، قيادة وشعباً، خاصة أننا أمام حرب، لا غالب فيها ولا مغلوب، هى فى مجملها تدمير لما تبقى من الدولة السورية، وتهجير وقتل للبقية الباقية من الأشقاء هناك.

هذه هى الحقيقة التى لا يريد أن يفطن إليها معظم الرأى العام العربى، وهى نوع الفائدة التى يمكن أن تعود على أى طرف فى الصراع السورى حينما يصبح الوطن أطلالاً، وبلا شعب، حجم السلاح الموجّه إلى سوريا الآن سوف يجعل منها وطناً للميليشيات لمائة عام مقبلة، بل ربما لن تصلح لحياة البشر، ولا غير البشر بعد ذلك، هذا هو الهدف الرئيسى من كل ما يجرى هناك منذ البداية، إلا أن عواصم الشر قررت، هذه المرة، أن يكون الدمار بأيدٍ عربية، وبأموال عربية.

الغريب فى الأمر أن وسائل إعلام القادة العرب، ومنابرهم الخطابية، استطاعت إقناع شعوبهم، أو معظمهم بأنهم أمام حرب مقدسة، رغم أن المبررات فى مجملها طائفية كان يجب أن تفطن لها الشعوب، وترفضها شكلاً ومضموناً، فى وجود عدو تاريخى صهيونى غاصب للأرض، لم يعد أحد يتذكره، ولا يتذكر الأرض، فى إطار حالة الفوضى الحاصلة بالمنطقة الآن، وكأننا أُصِبنا بعمى البصر والبصيرة، فتحولت بوصلة النظر لدينا إلى الدول الشقيقة، بدلاً من دولة الاحتلال، وبذلك بدا أن كل موازنات الإنفاق على التسلّح على مدى نصف قرن مضت، كان الهدف منها أن يقاتل بعضنا بعضاً فى نهاية المطاف.

نحن على يقين أن هناك بين قادة الدول العربية المشاركة فى هذه المأساة من يدرك هذه الحقيقة، وهى أن الهدف هو تدمير الدولة السورية، إلا أنهم لا يستطيعون رفض أوامر الدول الكبرى، لأسباب كثيرة، يضيق المقام عن سردها، وقد يكون بينهم من لا يدرك، وها هو ينساق خلف أموال ومعونات وهبات، ملوثة بدماء الأبرياء، إلا أننا حينما نتحدث عن الكويت، فنحن على يقين أن القيادة الكويتية لن تقبل بأن تكون فى عداد الطائفة الأولى الخاضعة، كما ليست فى حاجة إلى أن تكون فى عِداد الثانية المتسولة، بالتالى كان من حقنا أن نتوقف أمام الموقف الكويتى، سواء فى اليمن، أو فى سوريا، أو فى أى مكان آخر، فقد اعتدنا فى الكويت دولة ديمقراطية، دولة حريات، دولة مواقف.

باختصار: أعتقد أن حجم استهلاك الشعب الكويتى من الشوكولاتة يؤكد أنه شعب مختلف عن الآخرين ممن حوله، وعليه أن يظل مختلفاً، باختيار الشوكولاتة، حينما تصبح المفاضلة بينها وبين الحرب، حيث استحالة الجمع بين الاثنتين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية