x

«المصري اليوم » تخوض مغامرة لجمع توقيعات دعم «البرادعى» وجمال مبارك للرئاسة

الأحد 03-10-2010 12:19 | كتب: دارين فرغلي, أحمد رجب |

اختارت «المصرى اليوم» أن تكون جزءاً من تجربة الاستقطاب الدائرة حالياً بين مؤيدى الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجمال مبارك، الأمين العام المساعد للحزب الوطنى، أمين السياسات، لدفع كليهما إلى الترشح فى الانتخابات الرئاسية، وهى الحالة التى شغلت الرأى العام على مدار أسابيع مضت، وشهدت حالة من الشد والجذب. عشنا وجهى التجربة، فمرة كنا «برادعيين»، وتحولنا فى أخرى إلى «جماليين»، وبين الاثنين رصدنا الدراما فى الحكاية، ثبتنا عنصر المكان وهو حى المنيرة، فلا هو فقير، ولا راقٍ، لكن غيّرنا الأبطال، والأبطال فى هذه التجربة هم الناس، وليس البرادعى، أو جمال.


ناس بسطاء، وتلقائيون، وصادقون، و«ميتين» كما قالت إحداهن مبتسمة، و«ميت فل و14» كما قال آخر متجهماً، تحولوا إلى أبطال فى معركة توقيعات كشفت عن مفارقات وتفاصيل تستحق التوقف أمامها، لأنها تحمل دلالات وإشارات عن الشارع واتجاهاته التى عكستها ردود فعل من التقيناهم، سواء عندما ارتدينا «تى شيرتات» البرادعى وجمعنا له التوقيعات، أو عندما كنا نروج لدعم جمال مبارك فى استطلاع رأى لا تهمنا فيه الأرقام، أو كم شخصاً وقع، ولصالح من، لأنه ليس استطلاعاً علمياً، بقدر ما هو اهتمام بالتفاصيل، وردود الفعل.. الإفيهات الحاضرة والدهشة الطاغية.. الأسئلة المطروحة وعلامات الاستفهام المرسومة على الوجوه، كيف يميل الناس إلى كفة على حساب كفة، وكيف يسكن الأمن إحدى الكفتين؟ تجربتان تنقلهما «المصرى اليوم» بكل تفاصيلهما ومتناقضاتهما.

......................................................................................................


ارتدينا «تى شيرتين» ناصعى البياض، مطبوعاً عليهما صور لجمال مبارك، ومذيلين بكلمات «جمال.. مصر»، وبدأت جولتنا لجمع توقيعات على تفويض يكلف «ائتلاف دعم جمال مبارك» بمطالبته بالترشح كرئيس للجمهورية فى الانتخابات المقبلة، وبين نظرات الاندهاش من البعض والابتسامات المستنكرة والمؤيدة، والمندهشة، سرنا بين المارة فى الشارع، يقابلنا البعض بكلمات نقد لاذعة «بالذمة انتوا عندكم دم»، وينظر لنا آخرون بابتسامة ودودة رافعين أياديهم بإشارات داعمة وموصولة بعبارات متناثرة «يحيا الرئيس حسنى مبارك»، و«كفاية إنه ابن الرئيس».


البداية كانت مع سيدة تحمل ابتسامتها، وحقيبة جلدية بيضاء فوق بلوزتها الحمراء، أوقفناها فى الشارع، فى البدء ودون أن تتنازل عن ابتسامتها رحبت بالتوقيع «طبعاً ده الريس»، وعندما علمت أن التوقيع لجمال مبارك، غابت ابتسامتها وقالت ببساطة شديدة «لا» ومضت، سارت خطوتين ثم التفتت مرة أخرى إلينا وقالت مبررة موقفها «الريس عمل حاجات كتير للبلد، لكن جمال ده عمل إيه، إنتوا مش شايفين البلد».


فى الاتجاه المقابل من الشارع، كان رجل أربعينى يمد الخطى، وعندما لمح إشارتنا هدأت خطواته ووقف ينتظرنا، تبادلنا ابتسامات التحية، وقدمنا له الورقة، فقرأ بصوت عال «الائتلاف الشعبى لدعم جمال مبارك»، ونظر إلينا مندهشا وقال بحدة ملحوظة « أقول لكم حاجة.. إنتوا خسارة فيكم الكلام»، ولما سألناه عن السبب قال «إنتوا بتهزروا، إنتوا مش شايفين البلد، أنا رايح أصلِّى أحسن».


الأستاذ محمود، رجل ثلاثينى العمر، يسير وحيدا فى الشارع، اندهش من صور جمال مبارك على ملابسنا، وعندما ناولناه التفويض، قرأه باهتمام، ثم قال «والله أنا أبصم له بصوابعى العشرة»، ودون أى مناقشة أخرج قلماً، وعاد يقرأ الورقة بتمعن زائد قبل أن يوقعها ويرمينا بابتسامة واثقة ويمضى.


وعلى بعد أمتار منه جاء «خالد»، الذى نظر إلينا فى البداية مبتسما، ومشيرا إلى صور جمال قبل أن يسألنا «إنتوا بترشحوا جمال مبارك للرئاسة»، وعندما حصل على إجابة، رد «طب أنا عايز أوقع بس فى حالة إن الرئيس مش هينزل الانتخابات، لكن لو الرئيس نزل الانتخابات هانتخبه هو، ولو منزلش يبقى جمال أولى، وأكيد الرئيس علمّه أصول الحكم».


بإشارة وتلويحة من أوراق التفويض أخرجناهما من استرسالهما فى نقاش ساخن، كانت سيدتان فى أواخر العشرينيات، عائدتين ربما من عملهما، بمجرد أن رأتا التفويض، وصور جمال مبارك، قالتا فى نفس واحد «مالناش فى السياسة»، وأضافت إحداهن «اللى يترشح يترشح واللى يتعمل يتعمل، إحنا مالنا»، فرددنا «لكن السياسة بتأثر فى كل حاجة.. حتى رغيف العيش»، فردت المتحمسة للرفض «لو سمحت ما تجيبش سيرة رغيف العيش.. إحنا هنكلم مين ولا نقول لمين، أصوات الناس أساسا مش بتوصل»، فقلنا لها «صوتك هيوصل لجمال، بس لازم توقعى»، فأشاحت بيدها، وقالت «يوصل إزاى، أوقع إزاى لواحد أنا معرفوش.. كل اللى أعرفه عنه إنه ابن الريس»، وهنا تدخلت رفيقتها «أيوه طول الوقت بنسمع إنه عامل توظيف، وعامل شقق، ودورات كمبيوتر، لكن عمرنا ما شفنا منها حاجة، ولا أى حد نعرفه، وسبق أن ذهبنا نسأل عن القروض التى يقدمها للشباب، فلم نجد شيئاً، وطلبوا منى زيادة راتبى لآخذ قرضاً»، تبتسم وتكمل «طب والنبى لو مرتبى كويس، هآخد قرض ليه»، وعندما حاولنا شرح أن «جمال مبارك لا يقدم القروض بنفسه، ولكنه يوجه لتقديم تسهيلات»، ردت المتحمسة للرفض «والله أنا شايفة إن الرئيس مبارك يكمل، هو فاهم وعارف»، وأشارت لرفيقتها لترحلا.


مرسومة على وجهها ابتسامة عريضة، سارت السيدة الأربعينية وحيدة، ترتدى بلوزة وحجاباً برتقالياً، ابتسمت بمجرد إشارتنا لها، وأصبحت ابتسامتها ضحكة مسموعة عندما علمت بأهدافنا، وقالت: «وهو أنا شفت منه حاجة عشان أوقع له»، وعندما أوضحنا لها أن جمال يحتاج الفرصة الكاملة، لكى يستطيع تنفيذ أفكاره، ردت «لما يبقى رئيس هيبقى عامل زى حسنى مبارك»، وعندما سألناها «إنتى مش بتأيدى الرئيس مبارك» أجابت بضحكة صافية وأدارت وجهها إلى الاتجاه الآخر، فسألناها «طب عندك بديل لجمال»، فردت بسرعة وما زالت الابتسامة على وجهها «بديل لإيه، هو إحنا عايشين عشان نشوف بديل، إحنا ميتين».


شوقى، حارس عقار، يرتدى جلباباً أزرق نظيفاً، وفى جبهته «زبيبة» صلاة واضحة، أوقفناه وأعطيناه نسخة من التفويض، فقرأه وبين سطر وآخر، كان يرفع رأسه بارتياب ليقرأ وجوهنا، ثم يعود للتفويض، وبعد انتهائه نظر إلينا، وعلى وجهه ابتسامة خجولة، وقال «طيب»، فسألناه «يعنى إنت موافق ولا لأ»، فرد بنفس الابتسامة «أنا موافق على اللى هيبقى الرئيس»، فأوضحنا أن التفويض محاولة لدفع جمال مبارك للترشح، وأننا نطلب توقيعه لو كانت رؤيته أن جمال مبارك يصلح لمنصب الرئيس، فرد سريعا «ينفع طبعا عشان ابن الرئيس»، ثم وقع على استحياء.


فتاة فى العشرينيات ترتدى الأسود بالكامل، فيما عدا عُقْد أبيض زين بلوزتها السوداء، عبرت الشارع مسرعة، فاقتربنا منها وتبادلنا ابتسامات التحية، وناولناها التفويض وهى تهمهم «إيه ده»، وقبل أن يمر الوقت الكافى لقراءة التفويض بالكامل، فوجئنا بها تقذف الورقة علينا، وتمضى فى خطوات أسرع وأكثر حدة.


رجل خمسينى يرتدى قميصاً وبنطلوناً، لمح بعينيه صور جمال مبارك، أثناء تقدمنا باتجاهه، فقابلنا واتجه بنا إلى الرصيف المقابل لنقف تحت ظل شجرة، وبعد حكاية قصيرة عن خدمته البلد طوال الفترة الماضية من عمره، سألناه «يعنى هترشح جمال»، فأجاب بيقين قاطع «طبعا ده كويس»، فطلبنا منه التوقيع على التفويض، فأجاب «لا يا حبييبى.. أنا ما امضيش إلا لما آخد فلوس.. أنا سمعت إنه بيوزع 6 آلاف جنيه»، وعندما أخبرناه بأن حملة جمال مبارك لا توزع أموالاً، رفض التوقيع وقال: «انتوا مش بتقولوا حرية.. أنا مش هنتخبه».


بخطوات بطيئة تناسب رجلاً «على المعاش»، أوقفنا الأستاذ شوقى على أحد جانبى الشارع، وسألناه عن رأيه فى حملتنا، وفى جمال مبارك، فرد الرجل بحكمة «جمال شباب.. وانتوا شباب، لازم انتوا اللى تنتخبوه مش أنا»، فأوضحنا «لكنه سيصبح رئيسا لكل البلد، فما رأيك فيه»، فرد الرجل بابتسامة طيبة «إن شاء الله هيكون كويس زى أبوه، ويمكن أحسن، أكيد فكره أكثر تطورا ومواكب للتكنولوجيا»، وأضاف «أنا بلديات الريس وبحبه، وهو راجل كويس، والدليل أنه استمر كل تلك الفترة الطويلة»، وعندما طلبنا منه التوقيع، قال فى البداية إنه لا يستطيع الكتابة، وإنه ليس لديه وقت، وإنه لم يقرأ التفويض، لكنه وقع بعد إلحاح.


خالد جنيدى، موظف فى بنك، شاب فى نهاية العشرينيات من عمره، قال «بصراحة معنديش رأى محدد فى الموضوع ده، بس حاسس إن أفضل حل هو بقاء الرئيس مبارك، ولو لا قدر الله حصلت أمور، وقتها يكون جمال أفضل شخص لأنه زى ما بيقولوا شبعان».


ثقة وإيمان خالد لم يكونا كافيين لدفعه للتوقيع، وقبل أن نمارس عليه بعض الضغط، فوجئ خالد بزميلتين له فى العمل تصلان فى نفس الوقت، وبعد تعارف بسيط، قدمنا إليهما أوراق التفويض لقراءتها، وفيما انشغلت واحدة فى القراءة باهتمام، أشاحت الأخرى بيدها بعد قراءة السطر الأول، وخلعت نظارتها السوداء وقالت بحماس «لا طبعا»، فأخد خالد جانبا وبدأ يشاهد ما يحدث، بينما رفعت زميلتهما عينيها من الورقة وابتسمت، سألنا الرافضة عن أسبابها، فردت «الأسباب كتير، ليه هو، إيه إمكانياته، لو إمكانياته إنه ابن رئيس، يبقى كده وراثة» قالتها بحسم وقوة، ومضت فمضى زميلاها خلفها.


وقف الرجلان يتحدثان مستندين إلى سيارة ساكنة بجوار الرصيف، قطعنا عليهما حديثهما وعرّفنا أنفسنا كأعضاء فى حملة جمال مبارك، رحب بنا أحدهما، بينما ابتعد الآخر لأمتار، حديث انتهى بموافقة أحدهما «محمد» صاحب الأولاد الخمسة، ورفض الآخر، وقطعت الموقف مداخلتان، إحداهما من «ربيع» صاحب عربة الفول الأشهر فى المنطقة، الذى جاء إلينا وفى يده «قدرة» فول فارغة وسألنا «انتوا بتوع جمال»، فأجبنا بالإيجاب، فنظر إلينا نظرة محايدة ورحل، رافضا الإجابة عن تساؤلاتنا عن سر «سؤاله ونظرته»، والمقاطعة الثانية كانت من شاب فى بداية العشرينيات من عمره، يقود سيارة بيضاء، مر بجانبنا، ونظر إلينا باستنكار، وهتف بصوت عال «بالذمة انتوا عندكم دم».


مواقف تتكرر أو تتشابه، وقفنا نتذكرها ونرى ما سجلته كاميراتنا منها، ليقطع حديثنا رجلان، أحدهما يرتدى قميصا مفتوحا حتى نصف صدره، والآخر يرتدى «تى شيرت» بنى اللون ويحمل فى يده هاتفه المحمول، وسألانا «إنتوا مين وبتعملوا إيه هنا»، وعندما أجبنا بأننا أعضاء فى حملة جمال مبارك، نظر أحدهما للآخر وقال «طب كلم (فلان) بيه» وبينما انشغل أحدهما فى محادثة معاون المباحث، على حد قولهما، أظهر لنا الآخر إثبات شخصية، وقال لنا «ما تقلقوش، إنتم تبعنا، وعندنا تعليمات بحمايتكم إذا اعترضكم أى شخص فى الشارع»، وأضاف «طالما تأييد مفيش مشاكل، من فترة قبضنا على ناس فى أبوالريش كانوا معارضة وحاجات كده، راحوا القسم وبعدين أمن الدولة»، وفى هذا الوقت كان الآخر قد بدأ مكالمته التى قال فيها «الائتلاف الشعبى المصرى لدعم جمال مبارك.. أيوه يا باشا عندى فى المنطقة فى المنيرة.. لأ تأييد يا باشا، ولا برادعى ولا الكلام ده.. أنا قلت لهم لو حد اعترضكم بلغونى على طول.. ماشى يا باشا»، وأنهى مكالمته، ثم أعطانا رقم هاتفه المحمول لنبلغه إذا تعرضنا لأى مشاكل لحمايتنا، ثم مضى بعد أن دعا لنا «ربنا يوفقكم».

.................................................................................................

أنصار البرادعى يؤيدونه بـ«الكلاكسات».. ويوقّعون بعد تردد والرغبة فى التغيير بسبب الغلاء.. ومعارضوه:«الأمل عند ربنا»

 

كنا نعلم أن الأمر لن يخلو من مخاطرة، فصورة الدكتور محمد البرادعى، التى تتوسط الـ«تى شيرتات» التى نرتديها، واستمارات «معا سنغير»، التى نحملها وبها مطالب الجمعية الوطنية للتغيير السبعة، جديرة بأن تعرضنا للمضايقات أو المساءلة، وما زاد من احتمال حدوث ذلك هو أن تجربتنا تلك جاءت بعد يوم واحد من المظاهرات التى احتشد فيها ما يقرب من 600 ناشط سياسى من حركتى المصرية من أجل التغيير «كفاية»، وشباب «٦ أبريل»، فى ميدان عابدين، ضد ما وصفوه بـ«توريث الحكم لجمال مبارك».


تجولنا بين أرجاء منطقة السيدة زينب، وبين ابتسامات، وتعجب، واستنكار، وتأييد، ومعارضة، كانت جولتنا كـ«أعضاء فى الجمعية الوطنية للتغيير» نرفع شعار «معا سنغير».


البداية كانت مع شاب بدا عليه أنه فى أواخر عقده الثانى، كان يقف فى الشارع يحمل فى يده مجموعة من الأوراق مرتديا بنطلوناً وقميصاً وكرافتة، ملامحه وعيناه الزائغتان كانتا تعلنان أنه فى انتظار شىء ما، اتجهنا إليه وقدمنا له أنفسنا على أننا أعضاء فى حملة التغيير التى يقودها الدكتور محمد البرادعى، وأننا نسعى لجمع توقيعات أكبر قدر ممكن من المواطنين لنحاول الضغط على الحكومة لاقتناص مطالب التغيير السبعة، أخذ يدقق فى الورقة كثيرا، فسألناه هل تسمع عن الدكتور البرادعى، فنظر إلينا مندهشا، وقال «وهو فى حد ما يعرفهوش»، واستمر فى قراءة استمارة التغيير، وفى تلك الأثناء كررنا على مسامعه كلمات تؤكد مصداقية البرادعى، ونيته الحقيقية فى الترشح، والعواقب التى تحول دون ذلك، وفجأة خرج الرجل عن صمته قائلا «مش فيه موقع إلكترونى لجمعية التغيير»، فأجبناه بالإيجاب، فقال «أنا همضى على الموقع»، ولكننا رفضنا أن نترك الأمر يمر هكذا وسألناه «هل أنت موافق على ما قرأته فى بيان التغيير»، فأجاب «نعم»، فأعدنا سؤاله «إذن لماذا ترفض التوقيع الآن»، فإذا به يمسك الورقة ويستند إلى إحدى السيارات الواقفة بجانبه ويوقع اسمه مؤيداً لمطالب التغيير، فشكرناه كثيرا وقبل أن نمضى لمحنا فى يديه خطابا وضعه فوق مجموعة الأوراق التى يحملها فى يديه مكتوباً عليه بخط كبير «إلى الأستاذ محمود سعد» فعلمنا وقتها فيما كان انتظاره.


كان يسير فى خطوات متسارعة يحمل فى يديه كيساً بلاستيكياً أسود اللون، اقتربنا منه وطلبنا أن يعطينا دقيقة واحدة من وقته، فنظر إلينا فى دهشة شديدة وقال «إنتوا مش خايفين وإنتوا ماشيين كده فى الشارع عادى، إنتوا ما عرفتوش اللى حصل إمبارح»، فأجبناه بقولنا «نحن نسعى للتغيير من أجل صالح هذا البلد، فهذا واجبنا، فماذا عنك أنت»، فنظر إلى صورة البرادعى الموجودة على ملابسنا، وقال لنا «لو الـ80 مليون عاوزين حاجة والحكومة عاوزة حاجة يبقى برضه اللى الحكومة عاوزاه هتعمله، وده من وجهة نظرى، عشان كده مفيش فايدة من اللى انتوا بتعملوه ده»، فسألناه «يعنى مفيش أمل»، فرد وهو يدير وجهه عنا مستعدا للرحيل «الأمل عند ربنا».


على بعد خطوات منه، وقف رجلان بدا عليهما من ملابسهما بساطة الحال، كانا يقفان أمام محطة أتوبيس يتسامران، وما إن اقتربنا منهما حتى أخذا يدققان النظر فى الملابس التى نرتديها، فبدأنا نعرّفهما بأنفسنا، وسألنا أحدهما «تعرف الدكتور محمد البرادعى»، فأجاب «هو نازل فى أى دايرة»، فابتسم الرجل الواقف بجواره وقال له «ده نازل دايرة مصر»، وعندما بدأنا نتحدث معه عن البرادعى، والتغيير أسرع مبتعدا عنا وهو يتمتم «أنا ماليش دعوة بالسياسة، أنا مع عم حسنى عمنا كلنا»، ببينما ظل صديقه واقفا فى مكانه يدقق فى الكلام المكتوب فى الاستمارة، وعندما وجدناه غارقا فى قراءتها تركناه دون أن نقول كلمة واحدة، ولكن بعد مرور 3 دقائق تقريبا، فوجئنا به يمدها إلينا مرة أخرى قائلا «أنا تقريبا مضيت على واحدة زى دى فى مدينة نصر»، حاولنا أن نخفى ملامح الدهشة على وجوهنا، فإذا كان وقع على استمارة مشابهة من قبل، فلماذا لم يقل ذلك منذ البداية، وسألناه «تقريبا»، فأجاب «لا أكيد أكيد أصل كفاية كده، إنتوا مش شايفين البلد إيه وإللى حصل فيها».


تركناه ومضينا لعبور الشارع فوجدنا إحدى السيارات تهدئ من سرعتها وتطلق بعض «الكلاكسات» لتلفت انتباهنا إليها، وعندما نظرنا ناحيتها وجدنا بداخلها شاباً ينظر إلينا مبتسما رافعا إصبع الإبهام وقال لنا بصوت عال «ربنا يوفقكم»، ثم مضى فى طريقه من جديد، وبينما تكرر الموقف ذاته من بعض المارة أو قائدى السيارة الذين نمر بهم فى جولتنا، إلا أن آخرين كانوا ينظرون إلينا باندهاش واستغراب فى بعض الأحيان.


أمام أحد الأكشاك وقف رجل خمسينى لشراء علبة سجائر، انتظرناه حتى أكمل مهمته، ثم توجهنا إليه ببيان التغيير، وما إن بدأنا الحديث عن البرادعى، حتى استوقفنا قائلا «مين؟»، فأعدنا عليه الاسم مرة أخرى، فقال «أيوه أيوه عالم الذرة.. ماله؟»، فقلنا له عاوز يرشح نفسه فى الانتخابات، فضحك قائلا: «ومال الذرة بس ومال السياسة يا جماعة، كل واحد يخليه فى الحاجة اللى بيفهم فيها»، ثم أخرج سيجارة من العلبة وذهب.


على أحد الأرصفة جلس شابان يتناولان أكياس الشيبسى ويشربان المياه الغازية، اقتربنا منهما وسألناهما عن عمرهما فقالا 17 سنة، فتأكدنا أنهما يحملان بطاقات إثبات الهوية وأنهما يستطيعان التوقيع على بيان التغيير إذا أرادا، وأخذنا نحدثهما عن البرادعى، والحملة التى أطلقها للتغيير، وما كان منهما إلا أن استغربا الموقف، وأخذ كل منهما يبتسم للآخر، وقال لنا أحدهما ويدعى أحمد «أنا عارف إنه عالم كبير، وإنه هيدخل الانتخابات، لكن أنا مش موافق»، فسألناه عن السبب، فأجاب «لا ياعم.. الريس هيديها لابنه»، فسألناه «وما رأيك أنت»، فقال «إحنا ما شفناش جمال لسه، وبعدين الريس معيشنا فى سلام وما دخلناش حروب يبقى ليه لأ»، وعندما سألنا صديقه عن رأيه قال «إحنا ما شفناش لا ده ولا ده يبقى هنختار إزاى»، ورفضا التوقيع وعادا إلى طعامهما مرة أخرى.


سيدتان كانتا تعبران الطريق وما إن اقتربتا منا وشاهدتا صورة البرادعى، حتى أسرعتا فى الابتعاد عنا، وقالت إحداهما «إحنا مالناش فى السياسة»، ولم تمر دقيقتان حتى وجدنا رجلاً ثلاثينى العمر يهرول باتجاهنا ويحاول إيقافنا ليقول لنا شيئا ما، فاتجهنا ناحيته فقال لنا وهو يحاول التقاط أنفاسه «انتوا تبع حملة البرادعى،»، فأجبناه «نعم»، فقال «لقد مرت زوجتى أمامكما منذ قليل وشاهدتكما وأخبرتنى فأسرعت لألحق بكما»، فسألناه عن السبب، فأجاب «أنا من أشد المعجبين بالبرادعى، لكن إحنا عاوزينكم تيجوا عندنا البحيرة عشان فيه ناس كتير مش عارفة تتواصل معاكم»، شجعنا حماسه هذا على أن نطرح عليه سؤالا «وما رأيك فى أن تقوم أنت بدور حلقة الوصل بيننا وبين مؤيدى البرادعى فى البحيرة»، فلم يتردد فى الموافقة قائلا «يا ريت»، وطلب التوقيع على بيان التغيير، وأعطانا رقم تليفونه لنبلغه بعد ذلك بكيفية التواصل، وما هو الدور الذى سيقوم به فى البحيرة.


أحد المواطنين كان يقف أمام عربة لبيع الفاكهة فتوجهنا نحوه وطلبنا منه التوقيع على البيان إذا كان موافقا على ما فيه، فصمت قليلا أثناء قراءته للبيان وفجأة أخرج قلما من جيبه، ووقع على البيان، بعد أن كتب اسمه بالكامل ورقم بطاقته الشخصية، ثم عاد للشراء مرة أخرى، بينما ظل بائع الفاكهة ينظر إلينا فى تعجب، فبادرنا بإعطائه استمارة بيان التغيير، لكنه طلب منا قراءتها عليه لأنه لا يعرف القراءة، وما إن انتهينا من قراءة آخر كلمة فى الاستمارة، حتى طلب منا قلما قائلا «طبعا موافق البلد محتاجة تغيير فعلا، انتوا مش شايفين الحاجة بقت غالية إزاى، والناس خلاص مش لاقيه تاكل».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية