دفعت الشابة الإيرانية «ندا أغا سلطان» حياتها ثمناً ليلتفت العرب إلى أهمية مواقع التواصل الاجتماعى، وكان مشهد مقتلها الهمجى عام 2009، أثناء الاحتجاجات التى تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بداية معرفتنا بموقع «تويتر» الذى عرض لقطة اغتيالها.
بعدها أخذ الباحثون عن الحرية متابعة يوميات «ثورة الياسمين»، التى اندلعت فى «تونس» على «تويتر».. وكان من الممكن أن يبقى المصريون مختبئين خلف أجهزة الكمبيوتر لولا الخطأ الدرامى الذى وقع فيه نظام «مبارك» بقطع الإنترنت وخدمات المحمول.. فنزل الشعب غاضبا فى 28 يناير يهتف: «الشعب يريد إسقاط النظام».
لم تكن «البطولة»- آنذاك- مرادفا للتعليقات الحادة فى صفحة «خالد سعيد»، ولا كان أحد الثوار يعلم أن «مناضل الكيبورد» وائل غنيم على علاقة بالإخوان، وأنه مؤسس موقع طريق الإسلام Islam Way.com.. وكأن القاعدة كانت: «عدو مبارك صديقى»، فاعتبره الجميع «أيقونة الثورة»!.
شخص «غنيم» ليس موضوعنا إلا بصفته بطل «العالم الافتراضى»، والذى أعطى لهذا العالم قوة تُسقط أنظمة وتُقيل حكومات.. أو كما قال الكاتب «توماس فريدمان»، فى جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية: (إن السنوات القليلة الماضية شهدت عددًا من ثورات الـ«فيسبوك» التى انطلقت فى الشرق الأوسط باسم «الربيع العربى»، وامتد إلى أمريكا فيما عُرف باحتلال «وول ستريت».. وامتدت ثورات الـ«فيسبوك» إلى تركيا وأوكرانيا ووصلت إلى هونج كونج.. لكن غالبية تلك الثورات فشلت فى بناء نظام سياسى جديد يستطيع البقاء).. وهو ما جعل «فريدمان» يطرح السؤال: «هل وسائل التواصل الاجتماعى جيدة فى هدم الأشياء أكثر من قدرتها على بناء أنظمة جديدة قادرة على الصمود؟».
يستشهد «فريدمان» بآراء «وائل غنيم» وهى واقعية فى معظمها، يقول «وائل»: (إن الوسيلة التى أشعلت الثورة وحققت نتائج قصيرة الأمد هى ذات الوسيلة التى مزقت الثوار).. ويتابع: (للأسف نشوة الفرحة تبخرت، لأننا فشلنا فى الالتفاف حول قضية واحدة، وعصفت بنا التحديات السياسية فقادتنا إلى حالة من الاستقطاب، وساهم الإعلام الاجتماعى فى تأصيل الاستقطاب، حيث كان له دور فى تسهيل نقل الشائعات والمعلومات المغلوطة بصورة سممت البيئة السياسية فى مصر).
«غنيم»، الذى أصبح منبوذا ومشكوكا فى وطنيته، وابتعد عن المشهد رغم محاولته تطهير يديه من علاقته بالإخوان.. لم تستمر شهادته لتصل فى مقال «فريدمان» إلى ثورة 30 يونيو.
لقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعى الدور الأبرز فى تجميع استمارات «تمرد»، وكان هناك اتفاق ضمنى بين نشطاء التواصل الاجتماعى على حث الجيش على التدخل.. واستُخدمت فضائح «مرسى» وعصابته فى الدعاية السوداء لنظامه.
ساعد فى ذلك المواقع الإخبارية التى كانت- ولاتزال- تنقل أهم ما يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعى.. لم يدقق أحد فى المعلومات، واختلط الرأى بالانطباع الشخصى، ودخلت اللجان الإلكترونية للإخوان حرب تصفية معنوية للكتاب والإعلاميين- وأنا منهم- بأحط وأقذر أساليب السب والقذف.
كانت الدعاية السوداء الهم الأكبر لكتائب الإخوان الإلكترونية على جميع المواقع.. ومازالت تلك الأخبار الكاذبة- بكل أسف- موجودة على محرك البحث «جوجل» وقنوات الإخوان الفضائية لاتزال تمارس نفس الدور القبيح.
أنت لا تستطيع أن تحارب «طواحين الهواء» على الإنترنت، فهى حرب تحتاج لتفرغ كامل!!.
لا تستطيع حظر الآخر أو منعه من اختراق خصوصيتك إلا على صفحتك الشخصية.. أما الفضاء الإلكترونى فحدّث ولا حرج: (فضائح جنسية مزعومة، تشكيك فى عقيدة البعض، تلاسن وسباب علنى، سفسطة فارغة أو «هرى» وفقاً لمصطلحاتهم).
هنا أتوقف عند المنفيين فى «تويتر وفيسبوك»، الذين تقاس بطولاتهم بعدد المتابعين لهم حتى لو كانوا مخالفين فى الرأى يتتبعونهم لنقدهم أو بالأدق لسبهم.
يتصور بعض أبطال العالم الافتراضى أن «تغريدة» منهم كفيلة بإسقاط النظام، أو حرق مصداقية كاتب، أو تغيير بوصلة الحياة لأنهم أنصاف آلهة!.
بعض هؤلاء الأبطال الإلكترونيين خطفتهم الفضائيات، (سواء كانوا ضيوفا أو مقدمى برامج)، فسقطت ورقة التوت وسرعان ما انكشفوا أمام الرأى العام!.
والآن تراهم فى حرب لا هوادة فيها، وكأنهم فى «عنبر مجانين»، جميعهم يصرخون فى وقت واحد.. يحترفون «نضال الكيبورد» ويحولون حروفه إلى لون الدم ورائحة الألفاظ الكريهة.. ما أتعسهم!.
لقد تحول العالم الافتراضى من قوة ضغط للرأى العام وواحة للحرية إلى سجن للمحبطين ونقطة انطلاق للباحثين عن الشهرة.. وهؤلاء لا يعرفون الديمقراطية الحقيقية ولا يغيرون واقعاً.