هذا مَثَل لبنانى طريف يشير إلى فئة من الناس تبرر الجرائم والسرقات وتبرئ الجناة، فالسارق مادام استحل أموالاً ليست ملكه، فسرقته حلال، بل هي في مرتبة الميراث! وفى الحقيقة أن أبناء جيلى ومن قبلهم ومن بعدهم بقليل يدهشهم جدًا حجم المسروقات من المال العام والخاص، التي تبلغ في بعض الأحيان الملايين بقيمة العملة الصعبة أو المليارات من الصفقات المشبوهة. ولتفتح صفحات الحوادث في أي من صحفنا السيارة أو عبر التلفزة والقنوات المشفرة وستجد العجب العجاب، خادمة تسرق من بيت خدمتها مجوهرات بمئات الألوف من الجنيهات وأموالاً سائلة تبلغ نصف مليون من العملة المحلية وبضعة آلاف من الدولارات! ولا تتساءل ولا تسأل نفسك حتى عن هذا الكم الضخم من الأموال المخزنة بهذه البيوتات، وهل هي محفوظة به حتى لا يتزنق صاحب البيت وهو في «السوبر ماركت»،
أو عندما يهبط عليه محصل الكهرباء، وإذا كانت هذه المبالغ للأمور الطارئة فما حجم الأموال والمجوهرات المودعة في البنوك؟! وخادمة تحصل على قوتها بالكاد كيف تتماسك ولا تسرق أو تتفق على القتل وهى تتواجه بكل هذه الإغراءات! وأنا بالطبع لا أبرر هذه التصرفات المعيبة، لكن أنتقد سلوك بعض الأثرياء، وتزداد دهشتى بردود فعل الأجيال الجديدة على هذه السرقات كما أتابعها على شبكات التواصل الاجتماعى، هم لا يندهشون بالمرة! ويتعاملون مع الأمر بعادية شديدة، وأحيانا يزايدون على الأمر، وبعضهم يأتى بحوادث أخرى كانت فيها حجم المسروقات أكبر أو عنف الجريمة أبشع، والمصيبة أن السارق إذا ما اكتُشف يقضى عقوبته ويعود إلى مقر سكنه آمنا مطمئنا يلقى الترحاب من الأهل والجيران، والخادمة خائنة الأمانة تعود إلى خدمة البيوت وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في عينيها.
أذكر فيما سبق- والأمر ليس ببعيد- أن الموظف المرتشى الذي حصل على رشوة قيمتها 50 جنيها كانت الصحف تذيع مصيبته ويُحبس، وكان أهله في الأغلب يتركون الحى ويحوّلون أطفالهم من المدرسة حتى تموت الفضيحة، الآن الفضيحة صارت علنية «على عينك يا تاجر»، والله أعلم بما سيؤول إليه الأمر في المستقبل؟ وحتى تستطيع عقد مقارنة بسيطة عن التغيرات المرعبة أيها القارئ الكريم، فصديقى الشاعر الطبيب «عصمت النمر»، من الزقازيق، وكان عمه الحاج سليم النمر- عليه رحمة الله- أحد أعيانها الكبار، بالإضافة إلى أنه عمدة قرية «الزهراء»، وبعد وفاته تولى والد عصمت العمودية من بعده، والمهم في الأمر أن منصب العمدة إلى وقت قريب كان يجعله مسؤولا عن تلقى الشكاوى ومحاولة حلها عرفيًا، وإذا تعنت أحد الطرفين تُحال الشكوى إلى جهة الأمن، وبحوزة «عصمت» دفاتر تشتمل على البلاغات والعرائض التي قدمها مَن يشكون ظلما ما، والدفاتر هذه مهمة لدراسة أحوال القرية المصرية في زمن ما، وأتمنى أن توضع بين دفتى كتاب- بعد حذف أسماء الأشخاص- حتى تسهل على الباحثين عملهم، وسأقدم لكم نموذجا من شكوى مؤرخة بتاريخ 6 يوليو 1971.. وبعد الديباجة الشهيرة، تشكو سيدة للعمدة جارتها: «بما أننى ضاع لى ديك، ذلك اليوم.. وسألت الجيران، فأخبرونى بمَن أخذته.. وتوجهت لمنزلها، فوجدت الديك واثنين من ديوكى ضاعا منذ أسبوع، فقلت لها إن الديوك الثلاثة بتوعى.. وأنا صاحبتهم ومستعدة ليمين المصحف.. لكنها شتمتنى وضربتنى أمام شهود.. فالرجاء عمل اللازم» السرقة ديك.. سبحان مغير الأحوال!