على الرغم من كل المشاكل التى تعانى منها مصر، ويعانى منها المصريون والتى تستحق وتستدعى حواراً جاداً للبحث عن حلول، إلا أننا نغرق طوال الوقت فى معارك هامشية تتعامل مع القشور، ولا تتعامل مع المشاكل الأصلية والمستأصلة، ولا تناقش الأصول.
البلد فى مشكلة حقيقية، يراها ويشعر بها الجميع، وفى وضع أحوج ما يكون فيه إلى التفاف الجميع حوله، خاصة فيما يخص الوضع الاقتصادى، وغياب قيم العمل، وحالة الإنكار التى تسيطر على المجتمع ككل، سواء كمواطنين أو مسؤولين، هذه هى المشكلة الأكبر والأخطر اليوم، والتى تحتاج إلى نقاش حقيقى وليس شيئاً آخر.
بالتأكيد لا نقبل الإساءة إلى أى فرد فى المجتمع، أو قطاع من المجتمع، أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، وهذه مسألة شديدة السوء ومرفوضة تماماً، لكن أن يتم تحويل بعض هذه القضايا إلى معارك حياة أو موت، تفتح لها شاشات الفضائيات، ولا تجد برنامجاً فى قناة إلا ويخوض فيها، وتضحى المسألة حرباً شعواء، لابد أن تنتهى بالقضاء على أحد الأشخاص، أو حرقه تماماً، مع أننا لو عدنا لأصل المسألة لاكتشفنا أن الأمر ليس إلا معركة وهمية، لا تستدعى كل هذه الحروب ودق الطبول، والتنديد والتهديد بالويل والثبور والموت.
معظم هذه المعارك تنتهى غالباً بفوز الجانب الثائر والغاضب من المجتمع، ومع القضاء على الشخص المستهدف ـ معنوياً ـ يصل الجميع إلى حالة من حالات الارتياح، أو تفريغ الشحن من أمور أخرى.
مصر بها تحديات أساسية، اقتصادية وسياسية واجتماعية، مصر بها مخاطر داخلية أولها الملف الاقتصادى، مصر بها مخاطر على الحدود، سواء الحدود الغربية أو الشرقية،، مصر بها مخاطر فى حربها ضد الإرهاب الذى يحصد كل يوم أرواح جنود أو مواطنين أبرياء، هذه هى المعارك الحقيقية التى تستحق أن ينتفض المجتمع لمحاربتها، وينهض الإعلام بالمجتمع لتوعيته بمخاطرها، وليس الظفر بـ«شخص»، وتحويله تارة بطلاً وتارة أخرى شيطاناً فى معارك هامشية، لا تكاد واحدة تنتهى حتى تبدأ واحدة أخرى، لا علاقة لها بالمشاكل والتحديات الحقيقية التى تواجهها مصر.
ما تحتاجه مصر، وما يحتاجه المجتمع المصرى ليس الغرق فى معارك هامشية، تستنزف الوقت والمجهود، وإنما تحتاج إلى حالة من حالات «الاصطفاف»، وهذا لن يتأتى إلا بفهم من قبل الدولة بما تواجهه، وما يجب عليها أن توصله لشعبها، من مخاطر حقيقية تواجهها تستدعى الوقوف صفاً واحداً فى وجه المخاطر، فهم المشكلة بداية لحلها، لكن تجاهل المشكلة والانشغال بمشاكل أخرى هامشية لا علاقة لها بالمخاطر الحقيقية، لن يؤدى إلا إلى تزايد حجم المشكلة الحقيقية، وتزايد ضررها الذى سيكون مفاجئاً لمجتمع قرر أن يغمض عينيه عن المشكلة الحقيقية وينشغل بالهامش الذى يمثل شيئاً.
وهنا يأتى دور الإعلام، الذى يبدو أن قطاعاً عريضاً منه صار يفضل الانشغال بالهوامش، التى لا تشغل أحداً، والتركيز عليها، وتكبيرها، وإعادة إنتاجها مرات ومرات، دون اهتمام حقيقى بأصل الأزمة والمشكلة، ودون لعب دور حقيقى وفعال فى مواجهة مشاكل المجتمع السياسية والاقتصادية، وما أكثرها.