توقفت طويلا أمام ما قاله السيد رئيس الوزراء المهندس «شريف إسماعيل» فى لقائه بعدد من رؤساء تحرير الصحف متطرقا إلى واقعة مستشفى المطرية قائلا إنه لا يصح إغلاق المستشفى خاصة أنه يتردد عليه نحو 1200 مريض يوميا فإذا كان هناك خطأ فستتم معالجته لكن الإغلاق خطأ لا يعالج. وأشار رئيس الوزراء إلى أن «الدكتور أحمد عماد الدين» وزير الصحة قد طلب الجلوس مع الأمناء فى حضور وزير الداخلية إلا أن الأطباء رفضوا.
وإذا كان رئيس الوزراء أقر بأنه إذا ما كان هناك خطأ فسوف تتم معالجته فنحن بدورنا نسأل رئيس الوزراء كيف ستتم هذه المعالجة؟ هل ستتم هذه المعالجة بإقرار القانون وهو ما يجب أن يتم.. أم أن هذه المعالجة سوف تتم بالطريقة التى اقترحها السيد وزير الصحة ورفضها الأطباء وهى أن تعقد جلسة مع أمناء الشرطة بحضور وزير الداخلية.. وهو اقتراح من الغريب أن يصدر عن وزير فى حكومة دولة وأن يوافق عليه رئيس وزراء هذه الدولة.. فهذا الاقتراح ليس سوى عقد جلسة عرفية للصلح يصلح للقبائل فى الصحراء ولا يصلح لتتبناه دولة من المفترض أن تطبق القانون وتحيل الأمر برمته للقضاء وهو وحده صاحب الفصل فيها، بينما عقد جلسة عرفية لا يفعل شيئا سوى الكشف عن ضعف شديد للدولة لا تستطيع أن تطبق القانون فتلجأ لهذه الطريقة العرفية لرأب الصدع.. بل لقد قيل قبلها إنه تم عرض القيام بعمرة فى الأراضى الحجازية للأطباء كنوع من الترضية.. وأمام جلسة عرفية وترضية دينية نحن أمام دولة لا تتصرف كدولة لانها لا تقدر على هذا.. أما لماذا لا تقدر على هذا فهذا واضح وضوح الشمس وهو أن الدولة للأسف لا تستطيع أن تخضع أمناء الشرطة للقانون، وهنا لانبحث عن الأسباب بل نستدعى مظاهرات أمناء الشرطة التى لم تستطع الدولة أن تطبق فيها قانون التظاهر والتى انتهت بخضوع الدولة لهم.. ببساطة الدولة لا تستطيع أن تستعدى أمناء الشرطة حتى وإن أخطأوا والنتيجة معروفة سلفا وهى تكرار اعتداء أمناء الشرطة على الأطباء فى المستشفيات بل وعلى غير الأطباء أيضا.. وهنا نذكر أنه مع كتابة هذه السطور قد تردد وقوع حادث آخر مماثل حيث اعتدى عدد من أمناء الشرطة على أطباء فى مستشفى بولاق الدكرور.
جلسة عرفية مع الأمناء وعمرة للأطباء ليتنازلوا عن حقهم ويتراجعوا عن موقفهم.. مرة أخرى هل هذا أداء دولة؟.. لقد كانت الجلسات العرفية حتى الآن حكرا على المنازعات الطائفية وكانت الدولة ممثلة فى قيادات الداخلية فى المنطقة التى تشهد الأحداث أو المنازعات الطائفية تقوم بعقد الجلسات العرفية لإنهاء الصراع وكانت النتيجة المكررة لهذه الجلسات هى تنازل أصحاب الحق وهم هنا الأقباط عن حقوقهم بل وأحيانا تهجيرهم تهجيرا قسريا من منازلهم دون أن يدفع الطرف الآخر أى ثمن لما ارتكبه فى حقهم وذلك لأن هذه القيادات كانت منحازة فى الأصل بحكم الانتماء للعقيدة لطرف من الأطراف كما أنها من ناحية أخرى كانت ترى أنها لا يمكن أن تستعدى هذا الطرف ببساطة لأنه الأقوى.
وإذا كانت الحكومة تفعل نفس الشىء الآن فى نزاع ما بين الأطباء وأمناء الشرطة.. فهى مرشحة لتكراره ما بين أمناء الشرطة والمحامين أو ضباط الشرطة والمحامين بل وبين أى من أفراد الشرطة وأى مهنى آخر يحدث بينه وبينهم صراع فلا يطبق القانون بل تعقد الجلسات العرفية أملا فى الصلح.. لذا فمن الأجدى بدلا من النائب العام والنيابات والمحاكم أن ننشئ مصلحة للجلسات العرفية يكون ملحقا بها هيئة للعمرة وربما الحج لتنظيم العمرة والحج للمتضررين.
الدولة تتصرف كدولة لديها قانون وقضاء يقضى فى أى نزاع أما مثل هذا الأسلوب فهو لا يفعل شيئا سوى خلق فئات لا تقوى عليها الدولة فتلجأ لمراضاتها لأنها لا تقدر على محاسبتها، وكلما تكرر ذلك استقر الأمر وأصبح أمناء الشرطة خارج نطاق المحاسبة بالقانون مما يدفعهم أكثر لتخطى هذا القانون وهو ما يرسخ قاعدة فى المجتمع يستطيع غيرهم اتباعها طالما الدولة قابلة لكى يتم لى ذراعها.