فى حوار مهم أجرته صحيفة «لاتريبون» مع الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسى إدجار موران يوم الخميس11 نوفمبر الماضى، تحدث عن عالمنا المعاصرالذى يبدو مقلقا وضبابيا. ويرى موران أننا على وشك تغير حضارى كبير، وهذه ليست أول مرة يتحدث فيها عن ذلك، فى حوارات سابقة أكد على أننا فى وضعية لم تتشكل فيها الأشياء بعد، لا نعرف متى وكيف تحل لحظة التحول. وإن العالم فى حالة اختمار ولا نعرف ماذا ستفرز هذه الحالة. إيقاعات الموت والدمار شديدة القوة والانتشار وتستدعى التساؤل: هل نحن ماضون صوب كوارث متسلسلة؟ ويجيب موران يبدو ذلك محتملا، إذا لم نتمكن من تغيير المسار. لكن هذا لا يجب أن يقطع الأمل فى محاولة الوصول لطريق صوب المستقبل.
يرى «موران» أننا نعيش فى مرحلة تاريخية يبدو فيها كل شيء مأزوما ووصل إلى منتهاه ذلك على مستوى الدول، كما فى المؤسسات الدولية التى أصبحت هى الأخرى عاجزة وغير كافية، أما السياسة فيعتبرها تعيش الدرجة صفر فى التفكير. المسؤولون السياسيون لم تعد لديهم رؤية شاملة. السخط والغضب يجتاح العالم، الناس محبطون،لا مبالون، وبدون أمل بسبب أن لا شيء صادقا يرتسم أمامهم.
مايقوله «موران» ينطبق على الجميع، السيولة التى نعيشها بعد ثورات الربيع العربى طبيعية ومتماشية مع المناخ العالمى العام الذى يفتقد الرؤية الكلية على حد قوله. نتهم كثيرا السيسى وحكومته بغياب الرؤية، فى حين أن هذا عرض لمرض عالمى، قادة العالم جميعا مصابون به وتتفاوت الدرجة، فهم مازالوا يحكمون متأثرين بأطر أيديولوجية ومفاهيم سياسية لاتصلح لعالمنا الذى يهرول بسرعة جنونية نحو حافة الهاوية، عالم لديه فائض فى المعلومات ونقص فى المفاهيم والقيم الحاكمة.
العالم يعيش عصر «الكليب».. الاجتزاء أصبح هو الأساس، وهو يشتت التفكير وتعتاد معه على الاستسهال وهو ماسمح بسيطرة المديوكر على عقول العامة، نرى ذلك على مدار الساعة من الإعلام والسياسيين وأيضا كتاب التجزئة.
الموج عال، والفيضان قادم لامحالة فهل نقف منتظرين معجزة السماء لتنقذنا؟، أم علينا البحث عن قارب نجاة فى هذا المحيط متلاطم الأمواج سريع التغير على كل الساحات العربية والإقليمية والدولية.
أتصور أن البداية تكون بتحديد هدف واضح ومحدد ووحيد(فلا يكفى أن نقول نريد مصر قد الدنيا)، وكذلك عدو واضح ومحدد ووحيد، الهدف نشارك جميعا فى وضعه ويكون نتاج مناقشات مجتمعية موسعة مع كل التيارات الفاعلة فى المجتمع، وليس شعارا مصنوعاً فى الاتحادية يتم صكه على عجل وتداوله بهاشتاج يثير السخرية أكثر مما يثير العزم فى النفوس. أما العدو فيجب تجسيده وتحديده، فكلمة الإرهاب التى نتداولها فضفاضة نتشارك فيها مع دول العالم بأسره فقدت تأثيرها بالتكرار.
فى ثورة يناير كان عدو الشعب معروف ومحدد: مبارك ونظامه وكذلك فى 30 يونيو مرسى وجماعته، ولذلك نجحت الثورتان فى حشد الملايين، أما الآن فمن هو عدونا؟ كل دول العالم فى فترات الأزمات والارتباك تخلق عدوا محددا تسميه، إيران الإسلامية جعلته الشيطان الأمريكى وفى عهد بوش الابن اتخذ من بن لادن ومحور الشر عدوا والسعودية الآن جعلت إيران شيطانها.
الدول تصارع السيولة وضيق الأفق بخلق أيقونات للخير ومجسمات للشر لتجمع حولها الشعب وخاصة البسطاء منهم وهو ما نجده فى الرسالات السماوية، العدو يجب أن يكون خارجيا وليس داخليا كما نفعل الآن، إن أردت أن تحقق إنجازا عليك أن توحد جبهتك الداخلية لتواجه الخارج وإلا ستكون مثل جهاز المناعة حين يحدث له خلل وينقلب على صاحبه.
الواقع الذى نعيشه يستدعى نمطا مغايرا من التفكير، معقدا وطويل الأمد، السرعة والرغبة المحمومة فى الإنجاز تربك خطواتنا، ولعلنا نستمع لمقولة إبراهام لنكولن: أنا أمشى ببطء، ولكن لم يحدث أبدا أننى مشيت خطوة واحدة للوراء.