أثار حوار الرئيس عبدالفتاح السيسى مع مجلة «جون أفريك» الفرنسية جدلا واسعا حول الفترة التى قد تستغرقها الدولة فى بناء نظام ديمقراطى حقيقى.
فى الحوار، أكد الرئيس أن مصر تحتاج ما بين 20 و25 عاماً للوصول إلى مجتمع ديمقراطى، وهو ما أيده البعض فى أن البناء الديمقراطى يحتاج إلى مقومات طويلة الأجل، فيما رأى آخرون أنها فترة مُبالَغ فيها ومبرر للإطالة فى اتخاذ إجراءات مماطلة.
من جانبه، قال الدكتور محمد أبوالغار، رئيس حزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، إن جانبا من رأى الرئيس صحيح، والجزء الآخر خاطئ، وإن الديمقراطية قد تتحقق خلال 25 عاماً بالفعل إذا أراد الشعب ذلك بأن يحصل على حقوقه بضغوط مستمرة مع السلطة، سواء بالمفاوضات تارة والصراعات الانتخابية تارة أخرى، ثم الاعتصامات والانتهاء بثورة لأخذ الحقوق، لكن إذا أراد الحاكم أن يساعد شعبه فى بناء الديمقراطية فسينجح فى تحقيقها خلال 5 سنوات فقط.
وتابع: «المشكلة الحقيقية تكمن فى أن الديمقراطية أصبحت واقعاً فى دول العالمين الأول والثانى، أما دول العالم الثالث فلم تصل إليها بسبب وجود أنظمة حكم ترى أنها فقط الوطنية وأنها الوحيدة التى تملك الحلول المثلى فى جميع القضايا، والقادرة على حماية الدولة، فتلجأ للتدخل فى الانتخابات واتخاذ إجراءات قمعية وظلم وإصدار قوانين جائرة، ما يجعل الوصول إلى الديمقراطية فى حاجة إلى 25 عاماً من الصراع بين السلطة والشعب، وغالباً ستنتهى بمأساة، حتى يحصل الشعب عليها».
فى الإطار ذاته، أكد عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى السابق، أن الديمقراطية ليست مجرد إجراء يتم من خلال صناديق الانتخابات، لكن تتم فى إطار مجتمعى وإجراءات متدرجة، لأنها أسلوب حياة، موضحا أن تحديد السيسى 25 سنة لتحقيق الديمقراطية «أمر مُبالَغ فيه» وذكره مسبقا فى حملته الانتخابية.
فى الوقت نفسه، أيد الدكتور صلاح حسب الله، رئيس حزب الحرية، ما جاء فى حوار الرئيس، واعتبره حديثا يستحق الاحترام والتقدير، لأنه يلامس الواقع، دون تزيين ووعود لن تتحقق، مؤكدا أن الديمقراطية ليست مجرد صندوق انتخابات أو إصدار دستور جيد، لأنها بناء متكامل، فأى دولة كانت تعانى الاستبداد لعهود تحتاج لأكثر من 20 عاماً حتى تصل إلى مجتمع يمارس الديمقراطية.
وأوضح أن الرئيس تحدث بصراحته المعهودة، ولا يجب أخذ حديثه على أنه يسعى لاستغلال هذا الرأى ليبرر أى تباطؤ فى إجراءات الإصلاح، لافتا إلى أن الرئيس هو مَن وضع حجر الأساس لبناء نظام ديمقراطى، وأن التحول بمعناه السليم له مقومات أساسية يجب أن تتم حتى نصل إلى مجتمع لديه قدرة على ممارسة الديمقراطية الحقيقية. وبدوره، أكد حسين عبدالرازق، عضو المكتب السياسى لحزب التجمع، أن الشعب المصرى ثار من أجل الديمقراطية، وبدأ نضاله للحصول عليها منذ عهد عرابى وعمر مكرم، موضحا أن شروط تحقيق الديمقراطية وربطها بالقضاء على الأمية أو الفقر غير صحيح، لأن القضاء على مثل هذه الظواهر السلبية لن يتم إلا فى أجواء ديمقراطية.
وأضاف «عبدالرازق»: «لو مد الرئيس بصره إلى الهند التى تتمتع منذ الاستقلال بتجربة ديمقراطية غير عادية لأدرك أن الفقر فى الهند لم يكن يقل عن الفقر فى مصر، إضافة إلى تعدد اللغات والصراعات المذهبية، ورغم ذلك كله استطاع (غاندى) و(نهرو) تأسيس تجربة ديمقراطية يتحدث عنها العالم كله، والتحجج بالفقر لتحقيق الديمقراطية وتبنى حقوق الإنسان مبررات غير صحيحة لاستمرار الحكم، لأن الدستور وضع قواعد للنظام الديمقراطى وعدم الالتزام به يُفقد النظام شرعيته». وتابع: «لقد تغير الشعب نتيجة ثورة 25 يناير، وبات الشعب يملك وعيا سياسيا غير مسبوق، ولديه ثقة فى نفسه، وأصبح قادرا على التغيير واتخاذ القرار، ولم يعد يمكن خداعه، وقول الرئيس بأن الشعب لن يسمح بوجود شخص لا يريده على رأس الدولة صحيح، ورغم الانتقادات الكثيرة التى تُوجه لإدارته فى البلاد، فإن الشعب مازال يراه صالحا لقيادته، لكن شعبيته تراجعت نتيجة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والدولة البوليسية، وباستمرارها سنصل إلى أوضاع يتحول فيها الشعب إلى مطالبة الرئيس بالرحيل، وهذا ما لم نتمناه».
من جانبه، قال خالد داوود إن حديث السيسى عن الديمقراطية واحتياجها لـ 25 سنة يتناقض تماما مع خطابه أمام البرلمان ورغبته فى بناء دولة مدنية حديثة، وهذا يؤكد أنه لا يضع الديمقراطية على رأس أولوياته».
وأضاف «داوود»: «عمر سليمان السابق، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، سبق أن أدلى بمثل هذه التصريحات، وقال إن مصر تحتاج 25 سنة لتحقيق الديمقراطية، وهذا دليل على أن الفكرة نفسها مسيطرة على السلطة الحاكمة».