x

نصار عبد الله محفوظ وهيكل نصار عبد الله الإثنين 15-02-2016 21:29


سمعت نجيب محفوظ، كما سمعه معى أكثر من مرة، كل الذين كانوا يواظبون على حضور جلسته الأسبوعية... سمعته يقول: «لو كان هيكل روائيا.. لما كان لنا عيش في هذا البلد!!»،..

وفى ظنى أن نجيب محفوظ قد أجمل في هذه العبارة الماكرة أهم ما في محمد حسنين هيكل من المزايا، وأخطر ما فيه من العيوب في آن واحد!...

فالذى يقرأ أي عمل لهيكل كثيرا ما يحس بتلك النشوة التي تنتابه، وهو يقرأ أي عمل روائى بديع، محكم الحبكة والبناء!!، وقد كان من الممكن بالفعل فيما أتصور أن يصبح هيكل واحداً من الروائيين المعدودين في العالم العربى لولا أنه وظف موهبة الروائى لخدمة أكثر من مشروع ينتظم مع غيره في إطار مشروع واحد أكبر هو مشروع: «محمد حسنين هيكل» ذاته!، وأول هذه المشروعات وأهمها (وهو ما تحقق فعلاً بشكل مذهل): هيكل الصحفى الذي استفاد فائدة لا حد لها من «الروائى»، أما ثانيها فهو هيكل المؤرخ، الذي كثيرا ما أفسده «الروائى» بدلا من أن يغنيه، وكثيرا ما دفعه، كما يقول الناقد والباحث إبراهيم فتحى، إلى أن يضحى بمقتضيات الحقيقة التاريخية لحساب مقتضيات الدراما!!،

وثالثها هو هيكل المحلل والمفكر الاستراتيجى، الذي لم يفلح «الروائى» أيضا في دعمه وإثرائه مثلما أفلح مع «الصحفى»، بل إنه كثيرا ما أفقده سمات الموضوعية والتجرد التي هي متطلبات أساسية لأى محلل أو مفكر ذى مصداقية عالية، ولقد أورد نقاد هيكل، على اختلاف دوافعهم ومآربهم، كثيرا من الأمثلة التي تؤيد ما أقوله وما سبق لنجيب محفوظ أن ألمح إليه في عبارته الماكرة سالفة الذكر، ولعلى هنا أضيف ملاحظة موازية عن موهبة أخرى لهيكل غير موهبة الروائى الكامن الذي كثيرا ما يعلن عن نفسه في أعماله..

تلك هي موهبة الشاعر الذي لا يكف أيضا عن الإعلان عن نفسه، سواء من خلال الصور الشعرية الخلابة التي تزخر بها كتابات هيكل، أو من خلال استشهاداته في أحاديثه وحواراته بأبيات شعرية ينسبها إلى شعراء معينين بعد أن يقوم بتعديل بعض أبياتها لكى تصبح أكثر ملاءمة للموقف!!- على سبيل المثال لا الحصر ما أورده في حواره مع «لميس الحديدى» بتاريخ 26/9/2013، حين استشهد ببيت من الشعر يعبر عن حال مصر أصدق تعبير: ونصه طبقاً لرواية هيكل «إنى أراك كفارس تحت الغبار ** لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار»، وهذا البيت من قصيدة: «المساء» الشهيرة للشاعر إيليا أبى ماضى، ومطلعها: «السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين ** والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين».. وفيها يقول أبوماضى: «بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام ** لا يستطيع الانتصار ولا يطيق الانكسار».. وهنا نسجل لهيكل أنه قد أعاد الانسجام الموسيقى إلى هذا الجزء من المقطع، عندما استبدل بالنص الأصلى نصا جديدا هو «إنى أراك كفارس تحت الغبار» وبذلك أصبحت كلمة «الغبار» (التى لم ترد في النص الأصلى) أشبه ما تكون بقرار موسيقى لقافية الراء، وكلمتا: «الانتصار» و«الانكسار» أشبه ما تكونان بجواب لهذا القرار!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية